الصوم : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤]. فأباح الفطر للمريض لعذر المرض ، والمسافر ، طلبا لحفظ صحته وقوته ، لئلا يذهبه الصوم في السفر ، لاجتماع شدة الحركة وما يوجبه من التحليل وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلّل ، فتخور القوة وتضعف ، فأباح للمسافر الفطر حفظا لصحته وقوته عما يضعفها. وقال في آية الحج : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦]. فأباح للمريض ، ومن به أذى من رأسه ، من قمل أو حكة أو غيرهما ، أن يحلق رأسه في الإحرام استفراغا لمادة الأبخرة الرديئة التي أوجبت له الأذى في رأسه باحتقانها تحت الشعر ، وإذا حلق رأسه تفتحت المسامات فخرجت تلك الأبخرة منها. فهذا الاستفراغ يقاس عليه استفراغ يؤذي انحباسه. والأشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها عشرة : الدم إذا هاج ، والمني إذا سبغ ، والبول والغائط والريح والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش. وكل واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من الأدواء بحبسه. وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها وهو البخار المحتقن في الرأس ، على استفراغ ما هو أصعب منه ، كما هي طريقة القرآن ، التنبيه بالأدنى على الأعلى.
وأما الحمية ، فقال في آية الوضوء : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) [النساء : ٤٣] ، فأباح للمريض العدول عن الماء إلى التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه. وهذا تنبيه على الحمية عن كل مؤذ له ، من داخل أو خارج. فقد أرشد سبحانه عباده إلى أصول الطب ، ومجامع قواعده.
ونحن نذكر هدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك ، ونبين أن هديه فيه أكمل هدي.
فأما طب القلوب ، فمسلّم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم ، وعلى أيديهم. فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها ، وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ولمحابّه ، متجنبة لمناهيه ومساخطه.
ولا صحة لها ولا حياة لها البتة إلا بذلك ، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل. وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم ، فغلط ممن يظن ذلك. وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية وصحتها وقوتها. وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل. ومن لم يميز بين هذا وبين هذا ، فليبك على حياة قلبه ، فإنه من