الأموات. وعلى نوره ، فإنه منغمس في بحار الظلمات ـ انتهى ـ :
وقد قرر رحمهالله هذا المقام بأسلوب آخر في كتاب (طريق الهجرتين) نورده أيضا لبداعة أسلوبه. قال عليه الرحمة :
ولما كان مرض البدن خلاف صحته وصلاحه ، وهو خروجه عن اعتداله الطبيعي بفساد يعرض له ، يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية ، فإما أن يذهب إدراكه بالكلية كالعمى والصمم والشلل ، وإما أن ينقص إدراكه لضعف في آلات الإدراك مع استقامة إدراكه ، وإما أن يدرك الأشياء على خلاف ما هي عليه ، كما يدرك الحلو مرّا ، والخبيث طيبا ، والطّيب خبيثا. وأما فساد حركته الطبيعية ، فمثل أن تضعف قوته الهاضمة أو الماسكة أو الدافعة أو الجاذبة. فيحصل له من الألم بحسب خروجه عن الاعتدال ، ولكن مع ذلك لم يصل إلى حدّ الموت والهلاك ، بل فيه نوع قوة على الإدراك والحركة ، وسبب هذا الخروج عن الاعتدال ، إما فساد في الكمية أو في الكيفية فالأول إما نقص في المادة فيحتاج إلى زيادتها ، وإما زيادة فيها فيحتاج إلى نقصانها. والثاني إما بزيادة الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة أو نقصانها عن القدر الطبيعي ، فيداوى بمقتضى ذلك. ومدار الصحة على حفظ القوة والحمية عن المؤذي ، واستفراغ الموادّ الفاسدة ، ونظر الطبيب دائر على هذه الأصول الثلاثة. وقد تضمنها الكتاب العزيز ، وأرشد إليها من أنزله شفاء ورحمة. فأما حفظ القوة فإنه سبحانه أمر المسافر والمريض أن يفطرا في رمضان ، ويقضي المسافر إذا قدم ، والمريض إذا برأ ، حفظا لقوتهما عليهما. فإن الصوم يزيد المريض ضعفا ، والمسافر محتاج إلى توفير قوته عليه لمشقة السفر ، فالصوم يضعفها. فأما الحمية عن المؤذي ، فإنه سبحانه حمى المريض عن استعمال الماء البارد في الوضوء والغسل إذا كان يضره ، وأمره بالعدول إلى التيمم ، حمية له عن ورود المؤذي عليه من ظاهر بدنه ، فكيف بالمؤذي له في باطنه؟ وأما استفراغ المادة الفاسدة ، فإنه سبحانه أباح للمحرم الذي به أذى من رأسه أن يحلقه ، فيستفرغ الحلق الأبخرة المؤذية له ، وهذا من أسهل أنواع الاستفراغ وأخفّها ، فنبّه به على ما هو أحوج إليه منه.
وذاكرت مرة بعض رؤساء الطب بمصر بهذا فقال : والله! لو سافرت إلى الغرب في معرفة هذه الفائدة ، لكان سفرا قليلا أو كما قال ـ انتهى.
ثم ردّ تعالى على من حرّم شيئا من المآكل والمشارب والملابس ، من تلقاء نفسه من غير شرع من الله ، تأكيدا لما سبق ، بقوله سبحانه.