من ظن أن الوسع بذل المجهود.
قلت : في القاموس : الوسع (مثلثة) الجدة والطاقة كالسعة. وفيه : الجهد الطاقة (ويضم) والمشقة ـ انتهى ـ.
قال ابن الأثير : الجهد (بالفتح) المشقة ، وقيل : المبالغة والغاية ، وبالضم الوسع والطاعة وقيل : وهما لغتان في الوسع والطاعة ، فأما في المشقة والغاية ، فالفتح لا غير ـ انتهى ـ وبه يعلم أن ما جرى عليه الرازي قول للغويين ، ليس وفاقا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣)
(وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي : نخرج من قلوبهم أسباب الحقد والحسد والعداوة ، أو نطهّرها منها ، حتى لا يكون بينهم إلا التوادّ والتعاطف. وصيغة الماضي للإيذان بتحققه وتقرره وتقرره (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي لما جزاؤه هذا ، أي : لأسباب هذا العلوّ ، بإرسال الرسل والتوفيق للعمل (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي ما كنا لنرشد لذلك العلم الذي هذا ثوابه ، لو لا أن وفقنا الله بدلائله وألطافه وعنايته (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي : فاهتدينا بإرشادهم قال الزمخشري : يقولون ذلك ، أي (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ... إلخ سرورا واغتباطا بما نالوا ، وتلذّذا بالتكلم به ، لا تقرّبا ولا تعبدا ، كما ترى من رزق خيرا في الدنيا يتكلم بنحو ذلك ، ولا يتمالك أن لا يقوله ، للفرح والتوبة (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : أعطيتموها بسبب أعمالكم في الدنيا. فالميراث مجاز عن الإعطاء ، تجوّز به عنه إشارة إلى أن السبب فيه ليس موجبا ، وإن كان سببا بحسب الظاهر ، كما أن الإرث ملك بدون كسب ، وإن كان النسب مثلا سببا له. وعلى ما تقرر ، فلا يقال إنه معارض لما
ثبت في الصحيحين (١) من قوله صلىاللهعليهوسلم : «واعلموا أن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق ، ١٨ ـ باب القصد والمداومة على العمل ، حديث ٢٤٢٧ ونصه : عن عائشة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «سدّدوا وقاربوا وأبشروا ، فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله» قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال «ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة».
وأخرجه مسلم في : صفات المنافقين وأحكامهم ، حديث ٧٨.