أحدكم لن يدخله عمله الجنة! قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» ، ولا يحتاج إلى الجواب عنه ، ولا أن يقال الباء للعوض لا للسبب. وهذا تنجيز للوعد بإثابة المطيع ، لا بالاستحقاق والاستيجاب ، بل هو بمحض فضله تعالى ، كالإرث ـ كذا في العناية ـ.
روى الإمام مسلم (١) عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا ، وإنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا أبدا». فذلك قوله عزوجل (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) ... الآية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤)
(وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أي إذا استقروا في منازلهم (أَصْحابَ النَّارِ) توبيخا وتحسيرا لهم (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا) حيث نلنا هذه المراتب العالية (فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا) من تنزيلكم إلى أسفل سافلين ، لاستكباركم على الآيات والرسل (قالُوا نَعَمْ) أي وجدناه حقّا (فَأَذَّنَ) أي نادى (مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) أي بين الفريقين ليسمعهم ، زيادة في شماتة أحد الفريقين وندامة الآخر (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) (٤٥)
(الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون أنفسهم وغيرهم عن دينه القويم الذي بيّنه على ألسنة رسله لمعرفته وعمارة الدارين (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : يبغون لها زيغا وميلا عما هي عليه ، حتى لا يتبعها أحد (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ) أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة جاحدون لا يؤمنون به ، فلهذا لا يبالون ، فيأتون المنكر من
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، حديث ٢٢ ونصه : عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «ينادي مناد : إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا. وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا. وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا. وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا».