بترك متابعتهم ، من إفراط ظلمهم ، وهو موجب بغضهم. واعتزلتم معبوداتهم غير الله ، فإنهم كانوا يعبدونهم صريحا أو في ضمن عبادتهم له ، فأووا إلى الكهف الذي لا يطلعون عليكم فيه ، فلا يؤذونكم ، ولا تخافوا ، من الكون فيه ، فوات الطعام والشراب ، فإنكم إذا التجأتم إلى الله بعد ما دعوتموه بنشر الرحمة وتهيئة الرشد (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) أي ما يغني عن الطعام والشراب ، بالإمدادات الملكوتية والتأييدات القدسية (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ) وهو اختيار جانبه على جانبكم (مِرْفَقاً) أي ما تنفعون به. قال المهايمي : يرفق بنفوسكم فيعطيها من لذات عبادته ما ينسيها سائر اللذات. على أنها لذاتها لم تخل من أذية. وهذه خالية عن الأذيات كلها. وجزمهم بذلك لنصوع يقينهم وقوة وثوقهم بفضل الله تعالى.
تنبيه :
زعم قوم أن الآية تفيد مشروعية العزلة واستحبابها مطلقا. وهو خطأ. فإنها تشير إلى التأسي بأهل الكهف في الاعتزال ، إذا اضطهد المرء في دينه وأريد على الشرك. وممن رد الاحتجاج بهذه الآية على تفضيل العزلة ، الإمام الغزالي حيث قال في (إحيائه) : وأهل الكهف لم يعتزل بعضهم بعضا وهم مؤمنون. وإنما اعتزلوا الكفار. أي ولا ريب في مشروعيته فرارا من الفتن.
فقول السيوطي في (الإكليل) : في الآية مشروعية العزلة والفرار من الظلمة وسكون الغيران والجبال عند فساد الزمان ـ كلام مجمل لا بد من التفصيل فيه. وأي عصر خلا من الفساد؟. وسياق الآية في الاضطهاد فحسب ، فافهم ولا تغل. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (١٧)
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ) أي صعدت عند طلوعها (تَزاوَرُ) أي تميل (عَنْ كَهْفِهِمْ) أي بابه (ذاتَ الْيَمِينِ) أي يمين الكهف. (وَإِذا غَرَبَتْ) أي هبطت للغروب (تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) أي تقطعهم وتعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشمال (وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ) أي سعة من الكهف يصل إليهم الهواء من كل جانب