علة له (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) أي إهانة ومذلة ، كما أصابه يوم بدر من الصغار والفشل (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) أي النار المحرقة (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) على الالتفات ، أو إرادة القول. أي : يقال له يوم القيامة : ذلك الخزي والتعذيب بسبب ما اقترفته من الكفر والضلال والإضلال. وإسناده إلى (يديه) ، لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي. (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي بل هو العدل في معاقبة الفجار ، وإثابة الصالحين.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) (١١)
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) شروع في حال المذبذبين ، إثر بيان حال المجاهرين. أي ومنهم من يعبده تعالى على طرف من الدين ، لا في وسطه وقلبه. وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم ، لا على سكون وطمأنينة. كالذي ينحرف إلى طرف الجيش. فإن أحسّ بظفر وغنيمة قرّ وإلّا فرّ (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ) أي دنيويّ من صحة وسعة (اطْمَأَنَّ بِهِ) أي ثبت على ما كان عليه ظاهرا (وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ) أي ما يفتتن به من مكروه ينزل به (انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) أي رجع إلى ما كان عليه من الكفر (خَسِرَ) أي بهذا الانقلاب (الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) أي ضيّعهما بذهاب عصمته ، وحبوط عمله ، بالارتداد (ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) أي الواضح الذي لا يخفى على ذي بصيرة.
تنبيه :
قال ابن جرير : يعني جل ذكره بقوله (وَمِنَ النَّاسِ) إلخ أعرابا كانوا يقدمون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، مهاجرين من باديتهم. فإن نالوا رخاء ، من عيش بعد الهجرة ، والدخول في الإسلام ، أقاموا على الإسلام. وإلا ارتدوا على أعقابهم. وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل. ثم أسنده من طرق.
وهذا مما يؤيد أن السورة مدنية كما قاله جمع. وتقدم ذلك. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) (١٢)
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) أي حال ثابتة من فاعل (انقلب)