والأولى (خسر) ولذلك قرئ (خاسر) أي ارتد عن دين الله يدعو من دونه آلهة لا تضره ، إن لم يعبدها في الدنيا ، ولا تنفعه في الآخرة إن عبدها ـ وقال أبو السعود (يدعو) استئناف مبين لعظيم الخسران (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) أي عن الحق والهدى. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) (١٣)
(يَدْعُوا) أي هذا المنقلب على وجهه ، إذا أصابته فتنة (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ) أي وثنا أو صنما ، ضره في الدنيا بالذل والخزي وفي الآخرة بالعذاب ، أسرع إليه من نفعه الذي يتوقعه بعبادته ، وهو الشفاعة والتوسل به إلى الله تعالى. فاللام زائدة في المفعول به ، وهو (من) كما زيدت في قوله تعالى : (رَدِفَ لَكُمْ) [النمل : ٧٢] ، في وجه. وذكر أن ابن مسعود كان يقرؤه (يدعو من ضره) بغير لام. وهي مؤيدة للزيادة. و (ضره) مبتدأ ، و (أقرب) خبر. وفي الآية وجوه كثيرة هذا أظهرها. وإثبات الضرر له هنا ، باعتبار معبوديته. ونفيه قبل ، باعتبار نفسه. والآية بمثابة الاستدراك أو الإضراب عما قبلها ، بإثبات ضر محقق لاحق لعابده ، تسفيها وتجهيلا لاعتقاده فيه أنه يستنفع به حين يستشفع به وإيراد صيغة التفضيل ، مع خلوه عن النفع بالمرة ، للمبالغة في تقبيح حاله ، والإمعان في ذمه (لَبِئْسَ الْمَوْلى) أي الناصر له (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) أي المصاحب له.
ولما بين سوء حال الكفرة من المجاهرين والمذبذبين ، أعقبه بكمال حسن حال المؤمنين ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١٤)
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) أي من الأفعال المبنيّة على الحكمة ، التي من جملتها إثابة من أطاعه وتعذيب من عصاه.