العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافيّ(١) الإسلام وبنيانه ، وأودية الحقِّ وغيطانه ، وبحر لا ينـزفه المنتزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضلّ نهجها المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ؛ جعله الله ريّاً لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ، ومحاجّ لطرق الصلحاء ، ودواءً ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة ، وحبلاً وثيقاً عروته ، ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزّاً لمن تولاّه ، وسلماً لمن دخله ، وهدىً لمن ائتمّ به ، وعذراً لمن انتحله ، وبرهاناً لمن تكلّم به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفلْجاً لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطيّةً لمن أعمله ، وآية لمن توسَّم ، وجُنّةً لمن استلأم ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى وحكماً لمن قضى»(٢).
وهذه المعاني الجليلة تحتاج شيئاً من التدبّر. فقوله عليهالسلام : «ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ...» أي لا تنتهي معانيه ، فإنّ موارد النزول لا تخصّص الوارد ، بل إنّ معانيه عامّة تنطبق على كل زمان ومكان. وقوله عليهالسلام : «ومنهاجاً لا يضلّ نهجه» أي إنّه كتاب هداية ورحمة للعباد. وقوله عليهالسلام : «وينابيع العلم وبحوره» يعني أنّ مصادر العلم التي تحتاجها الأمّة في سيرها المتواصل نحو الكمال قد اجتمعت في القرآن.
٢ ـ المصحف الحقّ المحفوظ بين الدفّتين :
وعلى أيّ تقدير فقد بقي القرآن الذي كتبه أمير المؤمنين عليهالسلام هو
__________________
(١) الأثافيّ : كأمانيّ جمع أثفية ـ بالضمّ والكسر : وهي الحجارة التي يوضع عليها القدر.
(٢) نهج البلاغة : ٣٩٧ خطبة ١٩٨.