المصحف الحقّ الذي حفظ ما بين الدفّتين وكان مصداقاً لقوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(١). وهناك دليلان على ذلك :
الأوّل : ما رواه ابن طاووس (ت ٦٦٤ هـ) في كتاب سعد السعود نقلاً عن كتاب أبي جعفر محمّـد بن منصور ورواية محمّـد بن زيد بن مروان في اختلاف المصاحف : «إنّ القرآن جمعه على عهد أبي بكر زيد بن ثابت وخالفه في ذلك أبيّ وعبـد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ، ثمّ عاد عثمان فجمع المصحف برأي مولانا عليِّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وأخذ عثمان مصاحف أُبيّ وعبـد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها [وفي بعض النسخ : فاحرقها] ، وكتب عثمان مصحفاً لنفسه ومصحفاً لأهل المدينة ومصحفاً لأهل مكّة ومصحفاً لأهل الكوفة ومصحفاً لأهل البصرة ومصحفاً لأهل الشّام»(٢).
الثاني : ما ذكره الشهرستاني في مقدّمة تفسيره برواية سويد بن علقمة ، قال : «سمعتُ عليَّ بن أبي طالب عليهالسلام يقول : أيّها الناس الله الله إيّاكم والغلوّ في أمر عثمان وقولكم حرّاق المصاحف ، فوالله ما حرّقها إلاّ عن ملأ منّا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، جمعنا وقال : ما تقولون في هذه القراءة التي اختلف الناس فيها؟ يلقى الرجلُ الرجلَ فيقول : قراءتي خيرٌ من قراءتك ، وهذا يجرّ إلى الكفر. فقلنا بالرأي. قال : أريد أن أجمع الناس على مصحف واحد فإنّكم إن اختلفتم اليوم كان مَن بعدكم أشدّ اختلافاً ، فقلنا : نعمَ ما رأيت. فأرسل إلى زيد بن ثابت وسعيد بن العاص ، قال : يكتب أحدكما ويُملي الآخر. فلم يختلفا في شيء إلاّ في حرف واحد ...
__________________
(١) سورة الحجر ١٥ : ٩.
(٢) سعد السعود : ٢٧٨.