القرآن وصيانته. قيل للدؤلي : من أين لك هذا العلم ـ يعنون النحو ـ؟ فقال : لقّنتُ حدوده من عليٍّ عليهالسلام(١).
وكان للدؤلي تلاميذ في علم النحو ، منهم : يحيى بن يعمر العدواني قاضي خراسان ونصر بن عاصم الليثي ، وهما اللذان وضعا النقط أفراداً وأزواجاً لتمييز الأحرف المتشابهة بالأسلوب الذي نتداوله اليوم وهو ما يسمّى بالإعجام ، فقد بات صعباً على القارئ التمييز بين (نُنْشِزُهَا)(٢)بالراء المعجمة أو (ننشرها) بالراء المهملة ، أو (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)(٣) بالفاء أو (لمن خلقك) بالقاف.
أمّا أبو الأسود الدؤلي فقد قام بإعراب القرآن بعد أن سمع قارئاً يقرأ قوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)(٤) بجرِّ اللام من كلمة (رسوله) ، فأعظم أبو الأسود ذلك وقال : عزّ وجه الله أن يبرأ من رسوله. فأمر كاتباً من الكتّاب وقال له : خذ المصحف وصبغاً يخالف لون المداد ، فإذا رأيتني فتحت شفتي بالحرف فانقط واحدة فوقه ، وإذا كسرتهما فانقط واحدة أسفله ، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة بين الحرف ، فإن تبعت شيئاً من هذه الحركات غنّةٌ(٥) فانقط نقطتين. وأخذ يقرأ القرآن بالتأنّي والكاتب يضع النقط ، وكلّما أتمّ الكاتب صحيفةً أعاد أبو الأسود نظره عليها ، واستمرّ على ذلك حتّى أعرب المصحف كلّه ، وجرى الناس على
__________________
(١) وفيات الأعيان ١/٢٤٠.
(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٥٩.
(٣) سورة يونس ١٠ : ٩٢.
(٤) سورة التوبة ٩ : ٣.
(٥) الغنّة : مخصوصة بحرفي : ن ، م. وهي عملية تلفّظ لكلمات يمرّ فيها الصوت بالأنف ، مثل : إنَّ ، أنعمتَ ، منهم ، ممّا.