فالآية الكريمة تدل على أن المستحق للعبادة من أهل السماء ومن أهل الأرض ، هو الله ـ تعال ـ ، وكل معبود سواه فهو باطل.
قال الجمل ما ملخصه : قوله ـ سبحانه ـ : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ ..) الجار والمجرور متعلق بلفظ إله ، لأنه بمعنى معبود في السماء ومعبود في الأرض ..
وبما تقرر من أن المراد بإله : معبود ، اندفع ما قيل من أن هذا يقتضى تعدد الآلهة ، لأن النكرة إذا أعيدت نكرة تعددت ، كقولك : أنت طالق وطالق.
وإيضاح هذا الاندفاع ، أن الإله بمعنى المعبود ، وهو ـ تعالى ـ معبود فيهما. والمغايرة إنما هي بين معبوديته في السماء ، ومعبوديته في الأرض ، لأن المعبودية من الأمور الإضافية فيكفى التغاير فيها من أحد الطرفين ، فإذا كان العابد في السماء غير العابد في الأرض ، صدق أن معبوديته في السماء غير معبوديته في الأرض مع أن المعبود واحد ، وفيه دلالة على اختصاصه ـ تعالى ـ باستحقاق الألوهية ، فإن التقديم يدل على الاختصاص .. (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ثناء منه ـ سبحانه ـ على ذاته بما هو أهله.
ولفظ (تَبارَكَ) فعل ماض ، أى تعالى الله وتعظم ، وزاد خيره وكثر إنعامه ، وهو مأخوذ من البركة ـ بفتح الراء ـ بمعنى الكثرة من كل خير .. أو من البرك ـ بسكون الراء ـ بمعنى الثبوت والدوام .. وكل شيء ثبت ودام فقد برك.
أى : وتعالى الله وتقدس ، وثبت خيره ، وزاد إنعامه ، فهو ـ سبحانه ـ الذي له ملك السموات والأرض ، وله ملك ما بينهما من مخلوقات أخرى لا يعملها أحد سواه.
(وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أى : وعنده وحده لا عند غيره العلم التام بوقت قيام الساعة.
فالمصدر وهو (عِلْمُ) مضاف لمفعوله وهو (السَّاعَةِ) والعالم بذلك هو الله ـ تعالى ـ.
والمراد بالساعة : يوم القيامة ، وسميت بذلك لسرعة قيامها ، كما قال ـ تعالى ـ (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ...).
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أى : وإليه وحده مرجعكم للحساب أو الجزاء ، وليس إلى أحد سواه ـ عزوجل ـ.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٩٨.