فقال حذيفة للرجل : أنا أنبئك بها ، قد عرفت لم كرهها؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له : «عبد الإله» أو عبد الله ، ينزل على نهر من أنهار الشرق ، تبنى عليه مدينتان ، يشق النهر بينهما شقا. فإذا أذن الله في زوال ملكهم .. بعث الله على إحداهما نارا ليلا .. ثم يخسف الله ـ تعالى ـ بالأخرى فذلك قوله (حم. عسق).
يعنى : عزيمة من الله وفتنة وقضاء حمّ (حم) ، وعين ، يعنى عدلا منه ، وسين : يعنى سيكون. وق ، يعنى : واقع بهاتين المدينتين .. (١).
والكاف في قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ) بمعنى مثل ، واسم الإشارة يعود إلى ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة من عقائد وأحكام وآداب.
أى : مثل ما في هذه السورة الكريمة من دعوة إلى وحدانية الله ، وإلى مكارم الأخلاق ، أوحى الله به إليك وإلى الرسل من قبلك ، لتبلغوه للناس كي يعتبروا ويتعظوا.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) كلام مستأنف ، وارد لتحقيق أن مضمون السورة ، موافق لما في تضاعيف الكتب المنزلة ، على سائر الرسل المتقدمين في الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق.
والكاف مفعول (يُوحِي) أى : يوحى مثل ما في هذه السورة من المعاني.
وجيء بقوله : (يُوحِي) بدل أوحى للدلالة على استمراره في الماضي ، وأن إيحاء مثله ، عادته ـ تعالى ـ :
و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) صفتان له ـ عزوجل ـ (٢).
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (٣).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات أخرى لذاته فقال : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).
أى : لقد أوحى الله ـ تعالى ـ إليك ـ أيها الرسول الكريم ـ بهذا القرآن كما أوحى إلى الرسل من قبلك بما شاء من وحى ، وهو ـ سبحانه ـ العزيز الذي لا يغلبه غالب ، الحكيم في
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ١٧٧.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١١.
(٣) سورة النساء آية ١٦٣.