كل أقواله وأفعاله ، والذي له جميع ما في السموات وما في الأرض خلقا وملكا وتصرفا .. وهو ـ سبحانه ـ (الْعَلِيُ) أى : المتعالي عن الأشباه والأنداد والأمثال والأضداد.
(الْعَظِيمُ) أى : في ذاته وفي صفاته ، وفي أفعاله.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر علو شأنه وكمال عظمته وجلاله فقال : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ).
والفعل (تَكادُ) مضارع «كاد» الذي هو من أفعال المقاربة. وقوله (يَتَفَطَّرْنَ) أى : يتشققن. والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ فَوْقِهِنَ) يعود إلى السموات ، باعتبار أن كل سماء تنفطر فوق التي تليها.
وهذا التفطر سببه الخشية من الله ـ تعالى ـ ، والخوف من جلاله وعظمته فيكون المعنى : تكاد السموات يتشققن فيسقطن مع عظمهن (مِنْ فَوْقِهِنَ) أى : من أعلاهن ، خشية ورهبة من عظمته ـ عزوجل ـ ، كما قال ـ تعالى ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ويصح أن يكون هذا التفطر سببه ، شدة الفرية التي افتراها المشركون على الله ـ تعالى ـ حيث زعموا أن لله ولدا ، كما قال سبحانه ـ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً).
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قال : (مِنْ فَوْقِهِنَ)؟ قلت : لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة : فوق السموات ، وهي : العرش ، والكرسي ، وصفوف الملائكة ، المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش ، وما لا يعلم كنهه إلا الله ـ تعالى ـ من آثار ملكوته العظمى ، فلذا قال : (يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) أى : يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية. أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذين تحت السموات. فكان القياس أن يقال : من تحتهن ، من الجهة التي جاءت منها الكلمة ، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق. كأنه قيل : يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن ، ع الجهة التي تحتهن (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) مؤكد لما قبله من بيان علو شأنه ـ عزوجل ـ ، وسمو عظمته وجلاله.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٠٩.