رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) (٣٣)
واللام في قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ..) موطئة للقسم. وقوله (فَتَنَّا) من الفتن بمعنى الاختبار والامتحان. يقال : فتنت الذهب بالنار ، إذا أدخلته فيها لتعرف جودته من رداءته.
والمراد به هنا : إخبارهم وامتحانهم ، بإرسال موسى ـ عليهالسلام ـ وبالتوسعة عليهم تارة ، وبالتضييق عليهم تارة أخرى.
والمعنى : والله لقد اختبرنا فرعون وقومه من قبل أن نرسلك ـ أيها الرسول الكريم ـ إلى هؤلاء المشركين ، وكان اختبارنا وامتحاننا لهم عن طريق إرسال نبينا موسى إليهم ، وعن طريق ابتلائهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون إلى طاعتنا ، ولكنهم لم يرجعوا فأهلكناهم.
فالآية الكريمة المقصود بها تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من قومه ، ببيان أن تكذيب الأقوام لرسلهم ، حاصل من قبله ، فعليه أن يتأسى بالرسل السابقين في صبرهم.
والمراد بالرسول الكريم في قوله : ـ تعالى ـ : (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) : موسى ـ عليهالسلام ـ ، فقد أرسله ـ سبحانه ـ إلى فرعون وقومه ، فبلغهم رسالة ربه ، ولكنهم كذبوه وعصوه ..
ووصف ـ سبحانه ـ نبيه موسى بالكرم ، على سبيل التشريف له ، والإعلاء من قدره ، فقد كان ـ عليهالسلام ـ كليما لربه ، ومطيعا لأمره ، ومتحليا بأسمى الأخلاق وأفضلها.