أى : قال لهم : أرسلوا معى بنى إسرائيل ، واستجيبوا لدعوتى ، واحذروا أن تتجبروا أو تتكبروا على الله ـ تعالى ـ ، بأن تستخفوا بوحيه أو تعرضوا عن رسوله ...
(إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أى : إنى آتيكم من عنده ـ تعالى ـ بحجة واضحة لا سبيل إلى إنكارها ، وببرهان ساطع يشهد بصدقى وأمانتى ..
(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) أى : وإنى اعتصمت واستجرت بربي وربكم من أن ترجمونى بالحجارة ، أو من أن تلحقوا بي ما يؤذيني ، وهذا الاعتصام بالله ـ تعالى ـ يجعلني لا أبالى بكم ، ولا أتراجع عن تبليغ دعوته ـ سبحانه ـ بحال من الأحوال.
(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أى : وقال لهم ـ أيضا ـ في ختام نصحه لهم : إنى لن أتراجع عن دعوتكم إلى الحق مهما وضعتم في طريقي من عقبات وعليكم أن تؤمنوا بي ، فإن لم تؤمنوا بي. فكونوا بمعزل عنى بحيث تتركونى وشأنى حتى أبلغ رسالة ربي ، فإنه لا موالاة ولا صلة بيني وبينكم ، مادمتم مصرين على كفركم.
فأنت ترى أن موسى ـ عليهالسلام ـ قد طلب من فرعون وقومه الاستجابة لدعوته ، ونهاهم عن التكبر والغرور ، وبين لهم أنه رسول أمين على وحى الله ـ تعالى ـ ، وأنه معتصم بربه من كيدهم ، وأن عليهم إذا لم يؤمنوا به أن يتركوه وشأنه ، لكي يبلغ رسالة ربه ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ولكن الإرشادات الحكيمة من موسى لفرعون وقومه ، لم تجد أذنا صاغية ، فإن الطغيان في كل زمان ومكان ، لا يعجبه منطق الحق والعدل والمسالمة ، ولكن الذي يعجبه هو التكبر في الأرض بغير الحق ، وإيثار الغي على الرشد ..
ولذا نجد موسى ـ عليهالسلام ـ يلجأ إلى ربه يطلب منه العون والنصرة فيقول ـ كما حكى القرآن عنه ـ : (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ).
والآية الكريمة معطوفة على كلام محذوف ، يفهم من السياق ، والتقدير : وبعد أن أمر موسى فرعون وقومه بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ ونهاهم عن الإشراك به .. بعد كل ذلك أصروا على تكذيبه ، وأعرضوا عن دعوته ، وآذوه بشتى ألوان الأذى فدعا ربه دعاء حارا قال فيه : يا رب إن هؤلاء القوم ـ وهم فرعون وشيعته ـ قوم راسخون في الكفر والإجرام ، فأنزل بهم عقابك الذي يستحقونه.
ثم حكت السورة الكريمة بعد ذلك ما يدل على أن الله ـ تعالى ـ قد أجاب دعاء موسى ـ عليهالسلام ـ ، وأنه ـ سبحانه ـ قد أرشده إلى ما يفعله فقال : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ).