وأما الدليل السادس فهو قوله ـ تعالى ـ : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ) : والمراد بتصريفها : تقليبها في الجهات المختلفة ، ونقلها من حال إلى حال ، وتوجيهها على حسب مشيئته ـ سبحانه ـ ، فتارة تراها حارة ، وتارة تراها باردة.
أى : ومن الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته ، تقليبه ـ سبحانه ـ للرياح كما يشاء ويختار.
وفي ذلك الذي بيناه لكم (آياتٌ) واضحات على قدرتنا (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ذلك.
قال الجمل في حاشيته : وحاصل ما ذكر هنا من الدلائل ستة ، على ثلاث فواصل : الأولى (لِلْمُؤْمِنِينَ) ، والثانية (يُوقِنُونَ) ، والثالثة ، (يَعْقِلُونَ).
ووجه التغاير بينها ، أن المنصف من نفسه إذا نظر في السموات والأرض وأنه لا بد لهما من صانع آمن ، وإذا نظر في خلق نفسه ونحوها ، ازداد إيمانا فأيقن. وإذا نظر في سائر الحوادث عقل واستحكم علمه ، فاختلاف الفواصل الثلاث ، لاختلاف الآيات في الدقة والظهور (١).
وما ذكر في هذه الآيات الكريمة من أدلة ساطعة على قدرة الله ووحدانيته جاء في آيات كثيرة ، من أجمعها قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ، وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٢).
وبعد أن ذكر ـ سبحانه ـ هذه الأدلة الكونية الساطعة التي تحمل الناس على إخلاص العبادة له وحده ، أتبع ذلك بتهديد الذين عموا عنها ، والذين اتخذوا آيات الله هزوا .. فقال ـ تعالى ـ :
(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ(٨)
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١١٢.
(٢) راجع تفسيرنا لهذه الآية في سورة البقرة ص ٣٢٩ وما بعدها.