ظهور الأدلة والبراهين على وجوب الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ، دليل على انطماس بصائرهم ، واستيلاء العناد والجحود على قلوبهم.
قال الآلوسى : وقوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) هو من باب قولهم : أعجبنى زيد وكرمه ، يريدون أعجبنى كرم زيد ، إلا أنهم عدلوا عنه للمبالغة في الإعجاب.
أى : فبأى حديث بعد هذه الآيات المتلوة بالحق يؤمنون ، وفيه دلالة على أنه لا بيان أزيد من هذا البيان ، ولا آية أدل من هذه الآية.
وقال الواحدي : فبأى حديث بعد حديث الله ، أى : القرآن ، وقد جاء إطلاقه عليه في قوله ـ تعالى ـ : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ..) وحسن الإضمار لقرينة تقدم الحديث.
وقوله (وَآياتِهِ) عطف عليه لتغايرهما إجمالا وتفصيلا .. والفاء في جواب شرط مقدر ، والظرف صفة (حَدِيثٍ) (١).
ثم هدد ـ تعالى ـ هؤلاء المشركين بقوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ).
والويل : لفظ يدل على الشر أو الهلاك. وهو مصدر لا فعل له من لفظه ، وقد يستعمل بدون حرف النداء كما هنا ، وقد يستعمل معه كما في قوله ـ تعالى ـ : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا).
والأفاك : هو الإنسان الكثير الإفك وهو أشنع الكذب وأقبحه.
والأثيم : هو الإنسان المرتكب للذنوب والآثام بقلبه وجوارحه ، فهو سيئ الظاهر وسيئ الباطن.
أى : هلاك وعذاب وحسرة يوم القيامة لكل إنسان ينطق بأقبح الأكاذيب ويفعل أسوأ السيئات.
هذا الإنسان ـ أيضا ـ من صفاته أنه (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ) صباح مساء.
(ثُمَ) بعد ذلك (يُصِرُّ) على كفره (مُسْتَكْبِراً) أى : متكبرا عن الإيمان.
(كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أى : كأنه لم يسمع هذه الآيات ، لأنها لم توافق هواه أو شهواته. والتعبير بقوله : (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) للتعجيب من حاله ، حيث يصر على كفره ، بعد سماع ما يدعو إلى التخلي عن الكفر ، ويحمل على الدخول في الإيمان.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١٤٢.