لهم : اغفروا يغفروا للمشركين الذين لا يخافون من وقائع الله ونقمته بأعدائه ، ولا يتوقعون أن هناك عذابا شديدا سينتظرهم ، وأن هناك ثوابا عظيما سينتظر المؤمنين.
فالآية الكريمة توجيه حكيم للمؤمنين إلى التسامح والصبر على كيد أعدائهم ، حتى يأتى الله ـ تعالى ـ بأمره ، الذي فيه النصر للمؤمنين ، والخسران للكافرين.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) علة للأمر بالصفح والمغفرة ، وهو متعلق بما قبله ، والمراد بالقوم : المؤمنون الذين أمروا بالتسامح والعفو .. والتنكير في لفظ (قَوْماً) للتعظيم.
أى : أمر الله المؤمنين بذلك ، ليجزيهم يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الصالحة ، التي منها الصبر على أذى أعدائهم ، والإغضاء عنهم ، واحتمال المكروه منهم.
قال صاحب الكشاف : قوله : (لِيَجْزِيَ قَوْماً) تعليل للأمر بالمغفرة أى إنما أمروا بأن يغفروا ، لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة.
فإن قلت : قوله : (قَوْماً) ما وجه تنكيره ، وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟
قلت : هو مدح لهم وثناء عليهم ، كأنه قيل : ليجزي أيما قوم. أو قوما مخصوصين ، لصبرهم وإغضائهم على أعدائهم من الكفار ، وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص (١).
ثم عقب ـ سبحانه ـ على ذلك بما يؤكد عدالة الجزاء ، واحتمال كل نفس لما تعمله فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها).
أى : من عمل عملا صالحا ، فثواب هذا العمل يعود إلى نفسه ، ومن عمل عملا سيئا فعقاب هذا العمل يعود عليها ـ أيضا ـ.
(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة فترون ذلك رأى العين ، وتشاهدون أن كل إنسان سوف يجازى على حسب عمله ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن نعم الله ـ سبحانه ـ على بنى إسرائيل ، وعن موقفهم منها ، وأمرت النبي صلىاللهعليهوسلم أن يتمسك بالشريعة التي أنزلها الله ـ سبحانه ـ عليه .. فقال :
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٨٨.