لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ).
فهذه الآيات وغيرها تنطق وتشهد بأن رسالته صلىاللهعليهوسلم كانت للناس جميعا ، بل للإنس وللجن ، كما يشير إلى ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا ، فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ).
وجملة (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ) معطوفة على ما قبلها. والمراد بيوم الجمع : يوم القيامة ، لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الأولون والآخرون بين يدي الله ـ تعالى ـ للحساب والجزاء ، والثواب والعقاب.
أى : أوحينا إليك هذا القرآن لتنذر به أهل مكة ومن حولها ، وتنذر الناس جميعا وتخوفهم من أهوال يوم القيامة ، الذي يجتمع فيه الخلائق للحساب.
وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) كلام معترض لتقرير ما قبله وتأكيده ، أو صلة ليوم الجمع.
وقوله : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) بيان للنتيجة التي ترتبت على هذا الإنذار.
أى : بعد هذا الإنذار الذي أنذرته للناس ـ أيها الرسول الكريم ـ هناك فريق آمن بك وصدقك فكان مصيره إلى الجنة ، وهناك فريق أعرض عنك وكذبك ، فكان مصيره إلى النار.
وقوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً ، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) بيان لكمال قدرته ـ عزوجل ـ.
أى : ولو شاء الله ـ تعالى ـ أن يجعل الناس أمة واحدة على الدين الحق لجعلهم كذلك ، لأن قدرته لا يعجزها شيء ، ولكنه ـ سبحانه ـ لم يشأ ذلك ليتميز الخبيث من الطيب ، والمهتدى من الضال.
أما المهتدون فهم أهل رحمته ورضوانه ، وأما الضالون فهم أهل عذابه وغضبه فقوله ـ تعالى ـ (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) بيان لمن عرفوا الدين الحق واتبعوه وقوله ـ سبحانه ـ : (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) بيان لمن استحبوا العمى على الهدى.
قال الآلوسى ما ملخصه : (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أى : أنه ـ تعالى ـ يدخل في رحمته من يشاء أن يدخله فيها ، ويدخل في عذابه من يشاء أن يدخله فيه ، ولا ريب في أن مشيئته ـ تعالى ـ لكل من الإدخالين ، تابعة لاستحقاق كل فريق لعمله.
وقال : (وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ولم يقل ويدخل من يشاء في عذابه ، للإيذان بأن الإدخال في العذاب ، بسبب سوء اختيار الداخلين فيه (١).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٥ ص ١٤.