وقوله (تُتْلى) من التلاوة بمعنى القراءة بتمهل وترتيل. أى : وإذا تتلى على هؤلاء الكافرين ، آياتنا الواضحة الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أى : قالوا للآيات المتلوة عليهم. والتي اشتملت على الحق الذي يهديهم إلى الصراط المستقيم.
(هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) أى : قالوا : هذا الذي جئتنا به يا محمد سحر واضح ، وتمويه ظاهر.
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) : يشعر بأن هؤلاء الجاحدين الجاهلين ، قد بادروا إلى وصف ما جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه سحر ، بدون تفكر أو تأمل أو انتظار.
وفي وصفهم لما جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم بأنه سحر ، دليل على عجزهم عن الإتيان بمثله ، أو بسورة من مثله.
ثم حكى ـ سبحانه ـ جانبا من أكاذيبهم فقال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ...) و «أم» هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة ، وتفيد الإضراب والانتقال من حكاية أقوالهم الباطلة السابقة. إلى أقوال أخرى أشد منها بطلانا وكذبا. والاستفهام للإنكار والتعجب من حالهم.
والافتراء : أشنع الكذب. أى : بل أيقول هؤلاء الكافرون لك ـ أيها الرسول الكريم ـ إنك افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك؟.
ثم لقن الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم الرد الذي يخرسهم فقال (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً).
أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ في الرد على زعمهم أنك افتريت هذا القرآن : إن كنت على سبيل الفرض والتقدير قد افتريته من عند نفسي ، عاقبني ربي ، ولا تستطيعون أنتم أو غيركم أن تمنعوا عنى شيئا من عذابه وعقابه ، وما دام الأمر كذلك فكيف أفتريه ، وأنا أعلم علم اليقين أن افتراء شيء منه يؤدى إلى عقابي؟
فجواب «إن» في قوله : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) محذوف ، وتقديره : عاجلني بالعقوبة ، وقوله : (فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) قام مقامه.
قال ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (١).
__________________
(١) سورة الحاقة الآيتان من ٤٤ ، ٤٧.