وقوله : (هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) أى : الله ـ تعالى ـ الذي زعمتم أنى أفترى عليه الكذب ، هو أعلم منى ومنكم ومن كل المخلوقات ، بما تندفعون فيه من القدح في آياته ، والإعراض عن دعوته ، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من عقاب.
فقوله : (تُفِيضُونَ) من الإفاضة ، وهي الأخذ في الشيء باندفاع وعنف ، وأصله من فاض الإناء ، إذا سال بشدة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ترهيب لهم من الانسياق في كفرهم ، وترغيب لهم في الدخول في الإيمان لينالوا مغفرة الله ـ تعالى ـ ورحمته.
أى : كفى بشهادة الله ـ تعالى ـ بيني وبينكم شهادة ، فهو الذي يعلم أنى صادق فيما أبلغه عنه ، ويعلم أنكم الكاذبون فيما تزعمونه ، وهو ـ سبحانه ـ الواسع المغفرة والرحمة ، لمن تاب إليه وأناب.
ثم أمره الله ـ تعالى ـ أن يبين لهم أن ما جاءهم به من هداية ، قد جاء بها الرسل من قبله لأقوامهم ، وأنه رسول كسائر الرسل السابقين فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ ..).
والبدع من كل شيء : أوله ومبدؤه. يقال : فلان بدع في هذا الأمر ، أى : هو أول فيه دون أن يسبقه فيه سابق ، من الابتداع بمعنى الاختراع.
أى : وقل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ إنى لست أول رسول أرسله الله ـ تعالى ـ إلى الناس ، وإنما سبقني كثيرون أنتم تعرفون شيئا من أخبارهم ومن أخبار أقوامهم ، ومادام الأمر كذلك فكيف تنكرون نبوتي ، وتشككون في دعوتي؟.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ ، وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) بيان لوظيفته صلىاللهعليهوسلم. أى : وإننى وأنا رسول الله لا أعلم ما سيفعله الله ـ تعالى ـ بي أو بكم في المستقبل من أمور الدنيا ، هل سأبقى معكم في مكة أو سأهاجر منها. وهل سيصيبكم العذاب عاجلا أو آجلا؟ فإنى ما أفعل معكم ، ولا أقول لكم إلا ما أوحاه الله ـ تعالى ـ إليّ ، وما أنا إلا نذير مبين ، أوضح لكم الحق من الباطل ، وأخوّفكم من سوء المصير ، إذا ما بقيتم على كفركم وشرككم.
فالمقصود بقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أى : في دار الدنيا ، أما بالنسبة للآخرة ، فالله ـ تعالى ـ قد بشره وبشر أتباعه بالثواب العظيم في آيات كثيرة ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى). وقوله ـ سبحانه ـ : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً).