قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : قال الحسن البصري في قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) أى : في الدنيا ، أأخرج كما أخرجت الأنبياء قبلي؟ أم أقتل كما قتلوا ، ولا أدرى أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ أما في الآخرة فمعاذ الله ، قد علم أنه في الجنة.
وهذا القول هو الذي عوّل عليه ابن جرير ، وأنه لا يجوز غيره ، ولا شك أن هذا هو اللائق به صلىاللهعليهوسلم ، فإنه بالنسبة للآخرة ، جازم أنه يصير إلى الجنة ومن اتبعه ، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إليه أمره وأمر المشركين. أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم؟ (١).
والمتدبر في هذه الآية الكريمة ، يراها قد اشتملت على أسمى ألوان الأدب من النبي صلىاللهعليهوسلم مع خالقه ـ عزوجل ـ فقد فوّض صلىاللهعليهوسلم أمره إلى خالقه ، وصرح بأنه لا يتبع إلا ما يوحيه إليه سبحانه ـ وأنه لا علم له بالغيب ، وإنما علم ذلك إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
ثم أمر الله ـ تعالى ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم مرة أخرى ، أن يذكرهم بإيمان العقلاء من أهل الكتاب بهذا الدين ، لعلهم عن طريق هذا التذكير يقلعون عن كفرهم وعنادهم فقال : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ).
أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الكافرين : أخبرونى إن كان هذا الذي أوحاه الله ـ تعالى ـ إليّ من قرآن ، هو من عنده ـ تعالى ـ وحده ، والحال أنكم كفرتم به ألستم في هذه الحالة تكونون ظالمين لأنفسكم وللحق الذي جئتكم به من عند خالقكم؟ لا شك أنكم في هذه الحالة تكونون ظالمين جاحدين.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ...) معطوف على ما قبله على سبيل التأكيد لظلمهم.
أى : أخبرونى إن كان هذا القرآن من عند الله ، والحال أنكم قد كفرتم به ، مع أن شاهدا من بنى إسرائيل الذين تثقون بشهادتهم ، قد شهد على مثل القرآن بالصدق. لاتفاق التوراة والقرآن على وحدانية الله ـ تعالى ـ وعلى أن البعث حق ، وعلى أن الجزاء حق .. فآمن هذا الشاهد بالقرآن وبمن جاء به وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم واستكبرتم أنتم عن الإيمان ..
ألستم في هذه الحالة تكونون على رأس الظالمين الجاحدين لكل ما هو حق وصدق؟! فجواب الشرط في الآية محذوف. أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا ومع ذلك لم تؤمنوا فقد
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٦٠.