كفرتم وظلمتم ، والله ـ تعالى ـ لا يهدى القوم الذين من شأنهم استحباب الظلم على العدل ، والعمى على الهدى.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ، مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (١).
قال صاحب الكشاف ـ رحمهالله ـ : جواب الشرط محذوف تقديره. إن كان القرآن من عند الله وكفرتم به ، ألستم ظالمين ، ويدل على هذا المحذوف قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
والشاهد من بنى إسرائيل : عبد الله بن سلام .. وفيه نزل : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ ...).
والضمير للقرآن. أى : على مثله في المعنى ، وهو ما في التوراة من المعاني المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك (٢).
وعلى رأى صاحب الكشاف تكون الآية مدنية في سورة مكية ، لأن إيمان عبد الله بن سلام ـ رضى الله عنه ـ كان بالمدينة ولم يكن بمكة.
ومن المفسرين من يرى أن الآية الكريمة نزلت في شأن كل من آمن من أهل الكتاب ، وأنها لم تنزل في عبد الله بن سلام بصفة خاصة ..
قال الإمام ابن كثير : وهذا الشاهد اسم جنس ، يعم عبد الله بن سلام وغيره ، فإن هذه الآية مكية نزلت قبل إسلام عبد الله بن سلام ، وهذه كقوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا ، إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ).
قال مسروق والشعبي : ليس بعبد الله بن سلام. هذه الآية مكية ، وإسلامه كان بالمدينة ..
وقال مالك عن أبى النضر ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال : ما سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول لأحد يمشى على الأرض : «إنه من أهل الجنة» إلا لعبد الله بن سلام ، قال : وفيه نزلت : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) .. وكذا قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة .. (٣).
وعلى أية حال فالمقصود من الآية الكريمة إثبات أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ ،
__________________
(١) سورة فصلت الآية ٥٢.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٩٩.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٦٢.