وقد اقتضت حكمتنا أن نجعل من وظيفة هذا الكتاب : الإنذار للظالمين بسوء المصير إذا ما أصروا على ظلمهم ، والبشارة للمحسنين بحسن عاقبتهم بسبب إيمانهم وإحسانهم.
فاسم الإشارة في قوله : (وَهذا) يعود للقرآن الكريم ، وقوله مصدق صفة لكتاب.
وقوله (لِساناً عَرَبِيًّا) حال من الضمير في «مصدق» الذي هو صفة للكتاب والضمير في «لينذر» يعود إلى الكتاب ، و «الذين ظلموا» مفعوله. أى : لينذر الكتاب الذين ظلموا ، وقوله : (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) في محل نصب عطفا على محل «لينذر».
وقال ـ سبحانه ـ في صفة هذا الكتاب (مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) ولم يقل : مصدق لكتاب موسى ، للتنبيه على أنه مصدق لكتاب موسى ولغيره من الكتب السماوية السابقة.
والتعبير بقوله (لِساناً عَرَبِيًّا) فيه تكريم للعرب ، وتذكير لهم بنعمة الله عليهم ، حيث جعل القرآن الذي هو أجمع الكتب السماوية للهدايات والخيرات بلسانهم ، وهذا يقتضى إيمانهم به ، وحرصهم على اتباع إرشاداته.
وقوله ـ تعالى ـ : (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) بيان لوظيفة هذا الكتاب ، وتحديد لمصير كل فريق ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من من حي عن بينة.
ثم فصل ـ سبحانه ـ ما أعده للمحسنين من جزيل الثواب فقال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ...) أى : قالوا ذلك بألسنتهم ، وصدقت هذا القول قلوبهم (ثُمَّ اسْتَقامُوا) بعد ذلك على صراط الله المستقيم ، بأن فعلوا بإخلاص وطاعة كل ما أمرهم ـ سبحانه ـ بفعله ، واجتنبوا بقوة كل ما أمرهم باجتنابه ، وقوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) خبر «إن» ، وجيء بالفاء في خبر الموصول لما فيه من معنى الشرط.
أى : إن الذين قالوا ذلك ، ثم استقاموا وثبتوا على طاعتنا فلا خوف عليهم من لحوق مكروه بهم ، ولا هم يحزنون بسبب فوات محبوب لديهم ، وإنما هم في سعادة مستمرة ، وفي سرور دائم ، لا يعكره خوف من مستقبل مجهول ، ولا حزن على أمر قد مضى.
(أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر من الإيمان والاستقامة ، هم (أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها) خلودا أبديا. (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أى : يجزون هذا الجزاء الطيب بسبب أعمالهم الصالحة ، التي كانوا يعملونها في الدنيا.
وبعد هذا الحديث عن حقيقة هذا الدين ، وعن حسن عاقبة الذين قالوا ربنا الله ثم