والأشد : قوة الإنسان واشتعال حرارته ، من الشدة بمعنى القوة والارتفاع. يقال : شد النهار ، إذا ارتفع ، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع ، ولا واحد له من لفظه.
والمراد ببلوغ أشده : أن يصل سنه على الراجح ـ إلى ثلاث وثلاثين سنة.
وقوله : (أَوْزِعْنِي) أى : رغبني ووفقني ، من قولك : أوزعت فلانا بكذا ، إذا أغريته وحببته في فعله. أى : أن هذا الإنسان بعد أن بقي في بطن أمه ما بقي ، وبعد أن وضعته وأرضعته وفطمته وتولته برعايتها ، واستمرت حياته «حتى إذا بلغ أشده» أى : حتى إذا بلغ زمن استكمال قوته ، وبلغ أربعين سنة وهي تمام اكتمال العقل والقوة والفتوة.
(قالَ) على سبيل الشكر لخالقه (رَبِّ أَوْزِعْنِي ...) أى : يا رب وفقني وألهمنى (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) بأن وفقتني ووفقتهما إلى صراطك المستقيم ، وبأن رزقتهما العطف عليّ ، ورزقتني الشكر لهما ، ووفقني ـ أيضا ـ (أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) منى ، وتقبله عندك (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) أى : واجعل ـ يا إلهى ـ الصلاح راسخا في ذريتي ، وساريا فيها ، لأن صلاح الذرية فيه السعادة الغامرة للآباء.
(إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) توبة صادقة نصوحا وإنى من المسلمين الذين أخلصوا نفوسهم لطاعتك ، وقلوبهم لمرضاتك.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوات ، التي عن طريق إجابتها تتحقق السعادة الدنيوية والأخروية.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى «في» في قوله : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)؟
قلت : معناه أن يجعل ذريته موقعا للصلاح ومظنته ، كأنه قال : هب لي الصلاح في ذريتي ، وأوقعه فيهم. (١).
وفي الآية الكريمة : تنبيه للعقلاء ، إلى أن شأنهم ـ خصوصا عند بلوغ سن الأربعين. أن يكثروا من التضرع إلى الله بالدعاء ، وأن يتزودوا بالعمل الصالح ، فإنها السن التي بعث الله ـ تعالى ـ فيها معظم الأنبياء ، والتي فيها يكتمل العقل ، وتستجمع القوة ، ويرسخ فيها خلق الإنسان الذي تعوده وألفه ورحم الله القائل :
إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن |
|
له دون ما يهوى حياء ولا ستر |
فدعه ، ولا تنفس عليه الذي مضى |
|
وإن جر أسباب الحياة له العمر |
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٠٢.