والنون الأولى نوع الرفع ، والثانية نون الوقاية.
وقوله : (أَنْ أُخْرَجَ) : أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر هو المفعول الثاني لقوله : (أَتَعِدانِنِي). أى : والذي قال لوالديه ـ على سبيل الإنكار والإعراض عن نصحهما ـ (أُفٍّ لَكُما) أى : أقول بعدا وكرها لقولكما ، أو إنى متضجر من قولكما.
(أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) أى : أتعداننى الخروج من قبري بعد أن أموت ، لكي أبعث وأحاسب على عملي ، والحال أنه (قَدْ خَلَتِ) أى : مضت (الْقُرُونُ) الكثيرة (مِنْ قَبْلِي) دون أن يخرج أحد منهم من قبره ، ودون أن يرجع بعد أن مات.
فالآية الكريمة تصور بوضوح ما كان عليه هذا الإنسان ، من سوء أدب مع أبويه ، ومن إنكار صريح للبعث والحساب والجزاء.
ثم حكى ـ سبحانه ـ مارد به الأبوان فقال : (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ ، إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ...).
وقوله : (يَسْتَغِيثانِ اللهَ) أى : يلتمسان غوثه وعونه في هداية هذا الإنسان إلى الصراط المستقيم ، والجملة في محل نصب على الحال.
ولفظ «ويلك» في الأصل ، يقال في الدعاء على شخص بالهلاك والتهديد. والمراد به هنا : حض المخاطب على الإيمان والطاعة لله رب العالمين.
أى : هذا هو حال الإنسان العاق الجاحد ، أما حال أبواه ، فإنهما يفزعان لما قاله وترتعش أفئدتهما لهذا التطاول والصدود عن الحق ، فيلجئان إلى الله ، ويلتمسان منه ـ سبحانه ـ الهداية لابنهما ، ويحضان هذا الابن على الإيمان بوحدانية الله ـ تعالى ـ ، وبالبعث والحساب والجزاء ، فيقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ولا خلف فيه ، ولا راد له ..
والمتأمل في هذه الجملة الكريمة يراها تصور لهفة الوالدين على إيمان ولدهما أكمل تصوير ، فهما يلتمسان من الله له الهداية ، ثم يهتفان بهذا الابن العاق بفزع أن يترك هذا الجحود ، وأن يبادر إلى الإيمان بالحق ..
ولكن الابن العاق يصر على كفره ، ويلج في جحوده : (فَيَقُولُ) في الرد على أبويه (ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). أى : ما هذا الذي تعدانني إياه من البعث والحساب والجزاء .. إلا أباطيل الأولين وخرافاتهم التي سطروها في كتبهم.
فالأساطير : جمع أسطورة ، وهي ما سجله الأقدمون في كتبهم من خرافات وأكاذيب.