ثم يقال لهم على سبيل الزجر والتهكم (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِ) أى : أليس هذا العذاب كنتم تنكرونه في الدنيا ، قد ثبت عليكم ثبوتا لا مفر لكم منه ، ولا محيد لكم عنه ..
(قالُوا بَلى وَرَبِّنا) أى : قالوا في الجواب : بلى يا ربنا إن هذا العذاب حق ، وإنكارنا له في الدنيا إنما كان عن جهل وغفلة وغرور منا ..
فهم قد اعترفوا بأن الحساب حق ، والجزاء حق .. في وقت لا ينفع فيه الاعتراف.
ولذا جاء الرد عليهم بقوله ـ تعالى ـ : (قالَ) ـ سبحانه ـ (فَذُوقُوا الْعَذابَ) أى : فتذوقوا طعمه الأليم ، ووقعه المهين (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أى : بسبب كفركم وجحودكم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بالصبر على مكرهم فقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ). أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ فاصبر على أذى قومك ، كما صبر إخوانك أولو العزم من الرسل ، أى : أصحاب الجد والثبات والصبر على الشدائد والبلاء .. وهم ـ على أشهر الأقوال ـ : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ـ صلوات الله عليهم جميعا ـ.
وقوله : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) نهى منه ـ تعالى ـ لنبيه عن استعجال العذاب لهم. أى : ولا تستعجل لهم العذاب. فالمفعول محذوف للعلم به .. ثم بين ـ سبحانه ـ ما يدعو إلى عدم الاستعجال فقال : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ ..). أى : اصبر ـ أيها الرسول ـ على أذى قومك كما صبر إخوانك أولو العزم من الرسل. ولا تستعجل العذاب لهؤلاء الكافرين فإنه آتيهم لا ريب فيه ، وكأنهم عند ما يرون هذا العذاب ويحل بهم ، لم يلبثوا في الدنيا إلا وقتا قليلا وزمنا يسيرا ، لأن شدة هذا العذاب تنسيهم كل متع الدنيا وشهواتها.
وقوله ـ تعالى ـ : (بَلاغٌ) خبر لمبتدأ محذوف أى : هذا الذي أنذرتكم به ، أو هذا القرآن ، بلاغ كاف في وعظكم وإنذاركم إذا تدبرتم فيه ، وتبليغ من الرسول صلىاللهعليهوسلم إليكم.
(فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) كلا ، إنه لا يهلك بعذاب الله ـ تعالى ـ إلا القوم الخارجون عن طاعته ، الواقعون في معصيته فالاستفهام للنفي ..
وبعد فهذا تفسير لسورة «الأحقاف» نسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.