أى : ذلك الذي حل بهم من التعاسة والإضلال بسبب أنهم كرهوا ما أنزله الله ـ تعالى ـ على رسوله صلىاللهعليهوسلم من قرآن يهدى إلى الرشد ، فكانت نتيجة هذه الكراهية ، أن أحبط الله أعمالهم الحسنة التي عملوها في الدنيا كإطعام الطعام وصلة الأرحام .. لأن هذه الأعمال لم تصدر عن قلب سليم ، يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
ثم وبخهم ـ سبحانه ـ على عدم اعتبارهم بما في هذا الكون من عبر وعظات فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
والهمزة للاستفهام التقريعى ، والفاء معطوفة على مقدر ، أى : أقبعوا في مساكنهم فلم يسيروا في جنبات الأرض ، فيشاهدوا كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم كقوم عاد وثمود ولوط .. وغيرهم.
وقوله : (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) جملة مستأنفة ، كأنه قيل : كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم؟ فكان الجواب : دمر الله ـ تعالى ـ عليهم مساكنهم وأموالهم ، فالمفعول محذوف للتهويل والمبالغة في الإهلاك. يقال : دمر الله ـ تعالى ـ الأعداء تدميرا ، إذا أهلكهم إهلاكا شديدا. ودمر عليهم ، أى : أهلك ما يختص بهم ، وجاء هنا بكلمة «عليهم» لتضمين التدمير معنى الإيقاع أو الهجوم.
وقوله : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) وعيد وتهديد لهؤلاء الكافرين المعاصرين للنبي صلىاللهعليهوسلم. أى : هكذا كانت عاقبة المجرمين السابقين ، وللكافرين المعاصرين لك ـ أيها الرسول الكريم ـ السائرين على درب سابقيهم في الكفر والضلال والطغيان ، أمثال تلك العاقبة السيئة.
فالضمير في قوله ـ تعالى ـ (أَمْثالُها) يعود إلى العاقبة المتقدمة. وجمع ـ سبحانه ـ لفظ الأمثال باعتبار تعدد العذاب الذي نزل بالأمم المكذبة السابقة.
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ، وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ). أى : ذلك التدمير والإهلاك الذي حل بالمكذبين ، بسبب أن الله ـ تعالى ـ هو ولى المؤمنين وناصرهم ومؤيدهم .. أما الكافرون فلا مولى لهم ينصرهم أو يدفع عنهم ما حل بهم من دمار وخسران.
فالمراد بالمولى هنا : الناصر والمعين ، وأن نصرته ـ تعالى ـ هي للمؤمنين خاصة. ولا يناقض هذا قوله ـ تعالى ـ في آية أخرى : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ..) لأن المراد بقوله : (مَوْلاهُمُ الْحَقِ) : إلههم الحق ، ومالكهم الحق ، وخالقهم وخالق كل شيء.