السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) (١٩)
وضمير الجمع في قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) يعود إلى هؤلاء الكافرين الذين يأكلون كما تأكل الأنعام ، وذلك باعتبار أن المنافقين فرقة من الكافرين ، إلا أنها تخفى هذا الكفر وتبطنه.
كما يحتمل أن يعود إلى كل من أظهر الإسلام ، باعتبار أن من بينهم قوما قالوا كلمة الإسلام بأفواههم دون أن تصدقها قلوبهم.
وعلى كل حال فإن النفاق قد ظهر بالمدينة ، بعد أن قويت شوكة المسلمين بها. وصاروا قوة يخشاها أعداؤهم ، هذه القوة جعلت بعض الناس يتظاهرون بالإسلام على كره وهم يضمرون له ولأتباعه العداوة والبغضاء .. ويؤيدهم في ذلك اليهود وغيرهم من الضالين.
أى : ومن هؤلاء الذين يناصبونك العداوة والبغضاء ـ أيها الرسول الكريم قوم يستمعون إليك بآذانهم لا بقلوبهم.
(حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) أى : من مجلسك الذي كانوا يستمعون إليك فيه ، (قالُوا) على سبيل الاستهزاء والتهكم (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) من أصحابك ، الذين فقهوا كلامك وحفظوه.
(ما ذا قالَ آنِفاً) أى : ماذا كان يقول محمد صلىاللهعليهوسلم قبل أن نفارق مجلسه.
فقوله : (آنِفاً) اسم فاعل ، ولم يسمع له فعل ثلاثي ، بل سمع ائتنف يأتنف واستأنف يستأنف بمعنى ابتدأ.
قال القرطبي : قوله : (ما ذا قالَ آنِفاً) أى : ماذا قال الآن .. فآنفا يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات إليك ، من قولك استأنفت الشيء إذا ابتدأت به ومنه قولهم : أمر أنف ، وروضة أنف ، أى : لم يرعها أحد (١).
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢٣٨.