وقال الآلوسى ما ملخصه : قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ...) هم المنافقون ، وإفراد الضمير باعتبار اللفظ ، كما أن جمعه باعتبار المعنى.
قال ابن جريج ، كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يراعونه حق رعايته تهاونا منهم.
ومقصودهم بقولهم : (ما ذا قالَ آنِفاً) الاستهزاء وإن كان بصورة الاستعلام.
و (آنِفاً) اسم فاعل على غير القياس أو بتجريد فعله من الزوائد لأنه لم يسمع له ثلاثي ، بل المسموع : استأنف وأتنف (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ). أى : أولئك المنافقون الذين قالوا هذا القول القبيح ، هم الذين طبع الله ـ تعالى ـ على قلوبهم بأن جعلها بسبب استحبابهم الضلالة على الهداية لا ينتفعون بنصح ، ولا يستجيبون لخير ، وهم الذين اتبعوا أهواءهم وشهواتهم فصاروا لا يعقلون حقا ، ولا يفقهون حديثا.
فالآية الكريمة تصور تصويرا بليغا ما كان عليه هؤلاء المنافقون من مكر وخداع ، ومن خبث وسوء طوية. وترد عليهم بهذا الذم الشديد الذي يناسب جرمهم.
ثم يعقب ـ سبحانه ـ على ذلك ببيان حال المؤمنين الصادقين فيقول : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ).
أى : هذا هو حال المنافقين ، وهذا هو الحكم الذي يناسبهم ، أما الذين اهتدوا إلى الحق ، واستجابوا له ، وخالطت بشاشته قلوبهم ، فهم الذين زادهم الله ـ تعالى ـ هداية على هدايتهم. وزادهم علما وبصيرة وفقها في الدين ، ومنحهم بفضله وإحسانه خلق التقوى والخشية منه ، والطاعة لأمره ، وكافأهم على ذلك بما يستحقون من ثواب جزيل.
ثم تعود السورة الكريمة إلى توبيخ هؤلاء المنافقين على غفلتهم وانطماس بصائرهم ، فتقول : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ، فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها. فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ)؟.
فالاستفهام للإنكار والتعجب من حالهم ، وقوله (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) بدل اشتمال من الساعة ، والأشراط جمع شرط ـ بالتحريك مع الفتح ـ وهو العلامة ، وأصله الإعلام عن الشيء.
يقال : أشرط فلان نفسه لكذا ، إذا أعلمها له وأعدها ، ومنه الشرطي ـ كتركي ـ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٥٠.