والجمع شرط ـ بضم ففتح ـ سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها ، وتميزهم عن غيرهم.
وقوله : (فَأَنَّى لَهُمْ) خبر مقدم و (ذِكْراهُمْ) مبتدأ مؤخر ، والضمير في قوله (جاءَتْهُمْ) يعود إلى الساعة ، والكلام على حذف مضاف قبل قوله (ذِكْراهُمْ) أى : فأنى لهم نفع ذكراهم؟
والمعنى : ما ينتظر هؤلاء الجاهلون إلا الساعة ، التي سيفاجئهم مجيؤها مفاجأة بدون مقدمات ، والحق أن علاماتها قد ظهرت دون أن يرفعوا لها رأسا ، ودون أن يعتبروا بها أو يتعظوا لاستيلاء الأهواء عليهم.
ولكنهم عند ما تداهمهم الساعة بأهوالها ، ويقفون للحساب. يتذكرون ويؤمنون بالله ورسله .. ولكن إيمانهم في ذلك الوقت لن ينفعهم ، لأنه جاء في غير محله الذي يقبل فيه ، وتذكرهم واتعاظهم ـ أيضا ـ لن يفيدهم لأنه جاء بعد فوات الأوان.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) (١).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) (٢).
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) (٣).
قال الآلوسى : الظاهر أن المراد بأشراط الساعة هنا : علاماتها التي كانت واقعة إذ ذاك ، وأخبروا أنها علامات لها ، كبعثة نبينا صلىاللهعليهوسلم فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين ـ وأشار بالسبابة والوسطى».
وأراد صلىاللهعليهوسلم مزيد القرب بين مبعثه والساعة ، فإن السبابة تقرب من الوسطى.
وأخرج أحمد عن بريدة قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «بعثت أنا والساعة جميعا. وإن كادت لتسبقني» وهذا أبلغ في إفادة القرب.
وعدوا منها انشقاق القمر الذي وقع له صلىاللهعليهوسلم والدخان الذي وقع لأهل مكة ، أما أشراطها مطلقا فكثيرة ، ومنها ككون الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان (٤).
__________________
(١) سورة غافر الآية ٨٥.
(٢) سورة سبأ الآية ٥٢.
(٣) سورة الفجر الآية ٢٣.
(٤) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ٥٢.