على أن الرسول صلىاللهعليهوسلم صادق فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن الإسلام هو الدين الحق.
وقوله : (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) جملة من مبتدأ وخبر ، وهي خبر إن في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا).
وقوله : (سَوَّلَ) من التسويل بمعنى التزيين والتسهيل. يقال : سولت لفلان نفسه هذا الفعل ، أى : زينته وحسنته له ، وصورته له في صورة الشيء الحسن مع أنه قبيح.
وقوله : (وَأَمْلى) من الإملاء وهو الإبقاء ملاوة من الدهر ، أى : زمنا منه أى : الشيطان زين لهؤلاء المنافقين سوء أعمالهم ، ومد لهم في الأمانى الباطلة ، والآمال الفاسدة ، وأسباب الغواية والضلال.
وأسند ـ سبحانه ـ هذا التسويل والإملاء إلى الشيطان ، مع أن الخالق لذلك هو الله ـ تعالى ـ لأن الشيطان هو السبب في هذا الضلال والخسران.
ثم بين ـ سبحانه ـ أسباب هذا الارتداء فقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ).
أى : ذلك الارتداء عن الحق والتردي في الباطل. بسبب أن هؤلاء المنافقين قالوا للذين كرهوا ما نزل الله من الهدى على نبيه صلىاللهعليهوسلم وهم اليهود ومن على شاكلتهم ، قالوا لهم : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) أى : سنطيعكم في بعض أموركم وأحوالكم التي على رأسها : العداوة لهذا الرسول صلىاللهعليهوسلم ولما جاء به من عند ربه.
كما قال ـ تعالى ـ حكاية عنهم في آية أخرى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ. لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ، وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً ، وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ ، وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) تهديد لهم على هذا الدس والكيد والتآمر على الإسلام وأتباعه. أى : والله ـ تعالى ـ يعلم ما يسرونه من أقوال سيئة ، ومن أفعال قبيحة ، وسيعاقبهم على ذلك عقابا شديدا.
وكلمة (إِسْرارَهُمْ) ـ بكسر الهمزة ـ مصدر أسررت إسرارا ، بمعنى كتمت الشيء وأخفيته وقرأ بعض القراء السبعة (إِسْرارَهُمْ) ـ بفتح الهمزة ـ جمع سر. أى : يعلم الأشياء التي يسرونها ويخفونها.
__________________
(١) سورة الحشر الآية ١١.