ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم ـ عند ما تقبض الملائكة أرواحهم فقال : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ).
والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، والاستفهام للاستعظام والتهويل ، و «كيف» منصوب بفعل محذوف هو العامل في الظرف «إذا».
والمراد بوجوههم : كل ما أقبل منهم ، وبأدبارهم : كل ما أدبر من أجسامهم.
أى : هؤلاء الذين ارتدوا على أدبارهم ، وقالوا ما قالوا من كفر وضلال ، كيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وقبضت أرواحهم؟ لا شك أن حالهم سيكون أسوأ حال وأقبحه ، لأن ملائكة الموت يضربون عند قبض أرواحهم وجوه هؤلاء المنافقين وأدبارهم ، ضربا أليما موجعا.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ ، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (١).
واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) يعود إلى توفى الملائكة لهم ، وقبضهم لأرواح هؤلاء المنافقين. أى : ذلك الضرب الأليم لهم من الملائكة عند قبضهم لأرواحهم بسبب أن هؤلاء المنافقين قد اتبعوا ما يغضب الله ـ تعالى ـ من الكفر والمعاصي ، وبسبب أنهم كرهوا ما يرضيه من الإيمان والطاعة.
(فَأَحْبَطَ) ـ سبحانه ـ : (أَعْمالَهُمْ) بأن أبطلها ولم يقبلها منهم ، لأنها لم تصدر عن قلب سليم.
ثم هددهم ـ سبحانه ـ بكشف أستارهم ، وفضح أسرارهم فقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ).
و «أم» منقطعة بمعنى بل والهمزة ، والاستفهام للتقريع والتوبيخ ، و «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة بعدها خبرها ، وأن وصلتها سادة مسد مفعولي حسب.
والأضغان : جمع ضغن ، وهو الحقد الشديد. يقال : ضغن صدر فلان ضغنا ـ بزنة تعب ـ ، إذا اشتد حقده وغيظه ، والاسم الضّغن ، بمعنى الالتواء والاعوجاج الذي يكون في كل شيء ، ويقال : تضاغن القوم ، إذا انطوت قلوبهم على البغض والحقد.
__________________
(١) سورة الأنفال الآية ٥٠.