الأساليب المعروفة في الكلام ، حيث يتخاطبون فيما بينهم بمخاطبات لا يقصدون ظاهرها ، وإنما يقصدون أشياء أخرى فيها الإساءة إليك وإلى أتباعك.
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) يقول ـ تعالى ـ : ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم ، فعرفتهم عيانا ، ولكن لم يفعل ـ سبحانه ـ ذلك في جميع المنافقين ، سترا منه على خلقه.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) أى : فيما يبدون من كلامهم الدال على مقاصدهم. كما قال عثمان ـ رضى الله عنه ـ : ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه ، وفلتات لسانه. وفي الحديث : «ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها».
وعن أبى مسعود عقبة بن عمرو قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : «إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم. ثم قال : قم يا فلان ، قم يا فلان ـ حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ـ ثم قال : إن فيكم ـ أو منكم ـ فاتقوا الله» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ببان لعلمه الشامل ـ سبحانه ـ وتهديد لمن يجترح السيئات ، أى : والله ـ تعالى ـ يعلم أعمالكم علما تاما كاملا ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
ثم بين ـ سبحانه ـ سنة من سننه في خلقه فقال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ).
أى : ولنعاملنكم ـ أيها الناس ـ معاملة المختبر لكم بالتكاليف الشرعية المتنوعة ، حتى نبين ونظهر لكم المجاهدين منكم من غيرهم ، والصابرين منكم وغير الصابرين (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أى : ونظهر أخباركم حتى يتميز الحسن منها من القبيح.
فالمراد بقوله : (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ ..) إظهار هذا العلم للناس ، حتى يتميز قوى الإيمان من ضعيفه ، وصحيح العقيدة من سقيمها.
وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد هددت المنافقين تهديدا شديدا ، ووبختهم على مسالكهم الذميمة ، وفضحتهم على رءوس الأشهاد ، وحذرت المؤمنين من شرورهم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بالدعوة إلى صلاح الأعمال ، وبتهديد الكافرين
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٠٤.