(وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) أى : عادوه وخالفوه وآذوه ، وأصل المشاقة : أن تصير في شق وجانب ، وعدوك في شق وجانب آخر ، والمراد بها هنا : العداوة والبغضاء.
وقوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ) ذم وتجهيل لهم ، حيث حاربوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من بعد أن ظهر لهم أنه على الحق ، وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه.
وقوله : (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) بيان للآثار السيئة التي ترتبت على هذا الصدود والعداوة.
أى : هؤلاء الذين كفروا ، وصدوا غيرهم عن سبيل الله ، وحاربوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم هؤلاء لن يضروا الله ـ تعالى ـ شيئا بسبب كفرهم وضلالهم ، وسيبطل ـ سبحانه ـ أعمالهم التي عملوها في الدنيا ، وظنوها نافعة لهم ، كإطعام الطعام ، وصلة الأرحام.
لأن هذه الأعمال قد صدرت من نفس كافرة ولن يقبل ـ سبحانه ـ عملا من تلك النفوس ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).
وكما قال ـ سبحانه ـ : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين ، أمرهم فيه بالمداومة على طاعته ومراقبته فقال. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ).
أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، أطيعوا الله ـ تعالى ـ في كل ما أمركم به. وأطيعوا رسوله صلىاللهعليهوسلم ولا تبطلوا ثواب أعمالكم بسبب ارتكابكم للمعاصي ، التي على رأسها النفاق والشقاق ، والمن والرياء ، وما يشبه ذلك من ألوان السيئات.
عن أبى العالية قال : كان أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بظنون أنه لا يضر مع «لا إله إلا الله» ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية ، فخافوا أن يبطل الذنب العمل.
وروى نافع عن ابن عمر قال : كنا معشر أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبولا حتى نزلت هذه الآية ، فقلنا : ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا : الكبائر الموجبات والفواحش حتى نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).
فلما نزلت كففنا من القول في ذلك ، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ، ونرجو لمن لم يصبها (١).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٠٥.