ثم بين ـ سبحانه ـ سوء مصير الذين استمروا على كفرهم حتى ماتوا عليه فقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ـ تعالى ـ ، وبكل ما يجب الإيمان به.
(وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أى : ومنعوا غيرهم عن الطريق التي توصلهم إلى طاعة الله ورضاه. (ثُمَّ ماتُوا) جميعا ، (وَهُمْ كُفَّارٌ) دون أن يقلعوا عن كفرهم.
(فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) شيئا من ذنوبهم ، لأن استمرارهم على الكفر حال بينهم وبين المغفرة.
ومن الآيات الكثيرة التي تشبه هذه الآية في معناها قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ، فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (١).
والفاء في قوله : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) فصيحة ، والخطاب للمؤمنين على سبيل التبشير والتثبيت والحض على مجاهدة المشركين.
أى : إذا كان الأمر كما ذكرت لكم من أن الله ـ تعالى ـ لن يغفر للكافرين .. (فَلا تَهِنُوا) أى : فلا تضعفوا ـ أيها المؤمنون ـ أمامهم. ولا تخافوا من قتالهم .. من الوهن بمعنى الضعف ، وفعله وهن بمعنى ضعف ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ).
وقوله : (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) معطوف على (تَهِنُوا) داخل في حيز النهى.
أى : فلا تضعفوا عن قتال الكافرين ، ولا تدعوهم إلى الصلح والمسالمة على سبيل الخوف منهم ، وإظهار العجز أمامهم ، فإن ذلك نوع من إعطاء الدنية التي تأباها تعاليم دينكم.
وقوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ، وَاللهُ مَعَكُمْ ، وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) جمل حالية.
أى : لا تضعفوا ولا تستكينوا لأعدائكم والحال أنكم أنتم الأعلون ، أى : الأكثر قهرا وغلبة لأعدائكم ، والله ـ تعالى ـ معكم بعونه ونصره وتأييده.
(وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) أى : ولن ينقصكم شيئا من أجور أعمالكم ، يقال : وترت فلانا حقه ـ من باب وعد ـ إذ انقصته حقه ولم تعطه له كاملا ، وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلا ، أو سلبت منه ماله.
قالوا : ومحل النهى عن الدعوة إلى صلح الكفار ومسالمتهم ، إذا كان هذا الصلح أو تلك
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٩١.