المسالمة تؤدى إلى إذلال المسلمين أو إظهارهم بمظهر الضعيف القابل لشروط أعدائه .. أما إذا كانت الدعوة إلى السلم لا تضر بمصلحة المسلمين فلا بأس من قبولها ، عملا بقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما يدل على هوان هذه الدنيا فقال : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ).
قال الجمل : يعنى كيف تمنعكم الدنيا عن طلب الآخرة ، وقد علمتم أن الدنيا كلها لعب ولهو ، إلا ما كان منها في عبادة الله ـ تعالى ـ وطاعته.
واللعب : ما يشغل الإنسان وليس فيه منفعة في الحال أو المآل ، ثم إذا استعمله الإنسان ولم ينتبه لأشغاله المهمة فهو اللعب ، وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو (١).
(وَإِنْ تُؤْمِنُوا) إيمانا حقا (وَتَتَّقُوا) الله ـ تعالى ـ (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) كاملة غير منقوصة ، (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) أى : ولا يأمركم ـ سبحانه ـ أن تخرجوا جميع أموالكم على سبيل دفعها في الزكاة المفروضة ، أو في صدقة التطوع ، فالسؤال بمعنى الأمر والتكليف ويصح أن يكون المعنى : ولا يسألكم رسولكم صلىاللهعليهوسلم شيئا من أموالكم ، على سبيل الأجر له على تبليغ دعوة ربه ، كما قال ـ تعالى ـ : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ).
فالضمير على المعنى الأول يعود إلى الله تعالى ، وعلى الثاني يعود إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ثم أشار ـ سبحانه ـ إلى جانب من حكمته في تشريعاته فقال : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ).
وقوله (فَيُحْفِكُمْ) من الإحفاء بمعنى الإلحاف : وهو المبالغة في الطلب. يقال : أحفاه في المسألة ، إذا ألح عليه في طلبها إلحاحا شديدا ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً) وأصله من أحفيت البعير ، إذا أرهقته في المشي حتى انبرى ورق خفه.
أى : إن يكلفكم بأخراج جميع أموالكم ، ويبالغ في طلب ذلك منكم ، تبخلوا بها فلا تعطوها ، وبذلك (يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) أى : يظهر أحقادكم وكراهيتكم لهذا التكليف ، لأن حبكم الجم للمال يجعلكم تكرهون كل تشريع يأمركم بإخراج جميع أموالكم.
فقوله (فَيُحْفِكُمْ) عطف على فعل الشرط ، وقوله (تَبْخَلُوا) جواب الشرط ، وقوله : (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) معطوف على هذا الجواب.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٥٥.