مداخل الأمور ، وما يترتب عليها من نتائج ، ويحكم عقله فيما يسمع من أنباء ، فلا يصدق خبر الفاسق إلا بعد التثبت من صحته.
قال صاحب الكشاف : وفي تنكير الفاسق والنبأ : شياع في الفساق والأنباء ، كأنه قال :
أى فاسق جاءكم بأى نبأ فتوقفوا فيه ، وتطلبوا بيان الأمر ، وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا على قول الفاسق ، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه (١).
وقال القرطبي : وفي الآية دليل على قبول خبر الواحد إذا كان عدلا ، لأنه إنما أمر فيها بالتثبت عند نقل خبر الفاسق ، ومن ثبت فسقه بطل قوله في الأخبار إجماعا ، لأن الخبر أمانة والفسق قرينة يبطلها (٢).
وقوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) ... تعليل للأمر بالتبين ، بتقدير لام التعليل ، أو بتقدير ما هو بمعنى المفعول لأجله. والجهالة بمعنى الجهل بحقيقة الشيء.
أى : تثبتوا ـ أيها المؤمنون ـ من صحة خبر الفاسق ، لئلا تصيبوا قوما بما يؤذيهم ، والحال أنكم تجهلون حقيقة أمرهم ، أو خشية أن تصيبوا قوما بجهالة ، لظنكم أن النبأ الذي جاء به الفاسق حقا.
وقوله : (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) بيان للنتائج السيئة التي تترتب على تصديق خبر الفاسق ، و (فَتُصْبِحُوا) بمعنى تصيروا ، والندم : غم يلحق الإنسان لأمور وقعت منه ، ثم صار يتمنى بعد فوات الأوان عدم وقوعها. أى : فتصيروا على ما فعلتم مع هؤلاء القوم نادمين ندما شديدا ، بسبب تصديقكم لخبر الفاسق بدون تبين أو تثبت.
فالآية الكريمة ترشد المؤمنين في كل زمان ومكان إلى كيفية استقبال الأخبار استقبالا سليما ، وإلى كيفية التصرف معها تصرفا حكيما ، فتأمرهم بضرورة التثبت من صحة مصدرها ، حتى لا يصاب قوم بما يؤذيهم بسبب تصديق الفاسق في خبره ، بدون تأكد أو تحقق من صحة ما قاله .. وبهذا التحقق من صحة الأخبار ، يعيش المجتمع الإسلامى في أمان واطمئنان ، وفي بعد عن الندم والتحسر على ما صدر منه من أحكام.
ثم أرشد ـ سبحانه ـ المؤمنين إلى جانب من نعمه عليهم ، ورحمته بهم فقال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ ، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ).
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٦٠.
(٢) راجع تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣١٢.