والعنت : الوقوع في الأمر الشاق المؤلم ، يقال : عنت فلان ـ بزنة فرح ـ إذا وقع في أمر يؤدى إلى هلاكه أو تعبه أو إيذائه.
ويفهم من الآية الكريمة أن بعض المسلمين ، صدقوا الوليد بن عقبة ، وأشاروا على الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يعجل بعقاب بنى المصطلق.
والمراد بطاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم لهم : أخذه برأيهم ، وتنفيذه لما يريدونه منه.
والمراد بالكثير من الأمر : الكثير من الأخبار والأحكام التي يريدون تنفيذها حتى ولو كانت على غير ما تقتضيه المصلحة والحكمة.
أى : واعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أن فيكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الذي أرسله ـ سبحانه ـ لكي يهديكم إلى الحق وإلى الطريق القويم .. وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ لو يطيعكم في كثير من الأخبار التي يسمعها منكم ، وفي الأحكام التي تحبون تطبيقها عليكم أو على غيركم .. لو يطيعكم في كل ذلك لأصابكم العنت والمشقة ، ولنزل بكم ما قد يؤدى إلى هلاككم وإتلاف أموركم.
قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) عطف على ما قبله ، و «أن» بما في حيزها ساد مسد مفعولي «اعلموا» باعتبار ما قيد به من الحال ، وهو قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ).
وتقديم خبر «أنّ» للحصر المستتبع زيادة التوبيخ ، وصيغة المضارع للاستمرار.
و (لَوْ) لامتناع استمرار طاعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهم في كثير مما يعن لهم من الأمور.
وفي الكلام إشعار بأنهم زينوا للرسول صلىاللهعليهوسلم الإيقاع ببني المصطلق.
وفي هذا التعبير مبالغات منها : إيثار «لو» ليدل على الفرض والتقدير. ومنها : ما في العدول إلى المضارع من تصوير ما كانوا عليه ، وتهجينه. ومنها : ما في التعبير بالعنت من الدلالة على أشد المحذور ، فإنه الكسر بعد الجبر ، والرمز الخفى على أنه ليس بأول بادرة منهم (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) استدراك على ما يقتضيه الكلام السابق ، وبيان لمظاهر فضله عليهم ورحمته ـ سبحانه ـ بهم. أى : ولكنه صلىاللهعليهوسلم لا يطيعكم في كل ما يعن لكم ، وإنما يتبين
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٤٨.