الأمور والأخبار ويتثبت من صحتها ثم يحكم ، وقد حبب الله ـ تعالى ـ إلى كثير منكم الإيمان المصحوب بالعمل الصالح والقول الطيب وزينه وحببه في قلوبكم ، وكره وبغض إليكم الكفر والفسوق والعصيان لكل ما أمر به أو نهى عنه.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسير هذه الآية ، فقال ما ملخصه : قوله : (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) أى : لوقعتم في العنت والهلاك .. وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا للرسول صلىاللهعليهوسلم الإيقاع ببني المصطلق ... وأن بعضهم كانوا يتصونون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك ، وهم الذين استثناهم ـ سبحانه ـ بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) أى إلى بعضكم ، ولكنه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم ، وهذا من إيجازات القرآن ، ولمحاته اللطيفة ، التي لا يفطن لها إلا الخواص.
فإن قلت : كيف موقع (لكِنَ) وشريطتها مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا؟
قلت : هي مفقودة من حيث اللفظ ، حاصلة من حيث المعنى ، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم المتقدم ذكرهم ، فوقعت لكن في موقعها من الاستدراك (١).
واسم الإشارة في قوله : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) يعود إلى المؤمنين الصادقين ، الذين حبب الله ـ تعالى ـ إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.
أى : أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة ، هم الثابتون على دينهم ، المهتدون إلى طريق الرشد والصواب ، إذ الرشد هو الاستقامة على طريق الحق ، مع الثبات عليه ، والتصلب فيه ، والتمسك به في كل الأحوال.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً ..) تعليل لما منّ به ـ سبحانه ـ عليهم من تزيين الإيمان في قلوبهم. أى : فعل ما فعل من تحبيب الإيمان إليكم ، ومن تبغيض الكفر إلى قلوبكم ، لأجل فضله عليكم ، ورحمته بكم ، وإنعامه عليكم بالنعم التي لا تحصى.
(وَاللهُ) ـ تعالى ـ (عَلِيمٌ) بكل شيء (حَكِيمٌ) في كل أفعاله وأقواله وتصرفاته.
وبذلك نرى الآيات الكريمة ، قد رسمت للمؤمنين أحكم الطرق في تلقى الأخبار ، وأرشدتهم إلى مظاهر فضله عليهم ، لكي يستمروا على شكرهم له وطاعتهم لرسله.
__________________
(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٦٢.