قال الآلوسى : قال مجاهد : نزلت هذه الآيات في بنى أسد ، وهم قبيلة كانت تسكن بجوار المدينة ، أظهروا الإسلام ، وقلوبهم دغلة ، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا .. ويروى أنهم قدموا المدينة في سنة مجدبة ، فأظهروا الشهادتين ، وكانوا يقولون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : جئناك بالأثقال والعيال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان .. يمنون بذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) من الإيمان ، وهو التصديق القلبي ، والإذعان النفسي والعمل بما يقتضيه هذا الإيمان من طاعة لله ـ تعالى ـ ولرسوله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (أَسْلَمْنا) من الإسلام بمعنى الاستسلام والانقياد الظاهري بالجوارح ، دون أن يخالط الإيمان شغاف قلوبهم. أى : قالت الأعراب لك ـ أيها الرسول الكريم ـ آمنا وصدقنا بقلوبنا لكل ما جئت به ، وامتثلنا لما تأمرنا به وتنهانا عنه.
قل لهم (لَمْ تُؤْمِنُوا) أى : لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية .. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أى : ولكن قولوا نطقنا بكلمة الإسلام ، واستسلمنا لما تدعونا إليه استسلاما ظاهريا طمعا في الغنائم ، أو خوفا من القتل.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) والذي يقتضيه نظم الكلام أن يقال : قل لا تقولوا آمنا ، ولكن قولوا أسلمنا ...
قلت : أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا ، ودفع ما انتحلوه ، فقيل : قل لم تؤمنوا ، وروعي في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرح بلفظه ، حيث لم يقل : كذبتم ، ووضع ، «لم تؤمنوا» الذي هو نفى ما ادعوا إثباته موضعه ..
واستغنى بالجملة التي هي «لم تؤمنوا» عن أن يقال : لا تقولوا آمنا ، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهى عن القول بالإيمان .. (٢).
وقوله : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) جملة حالية من ضمير ، «قولوا» و «لما» لفظ يفيد توقع حصول الشيء الذي لم يتم حصوله.
أى : قولوا أسلمنا والحال أنه لم يستقر الإيمان في قلوبكم بعد ، فإنه لو استقر في قلوبكم لما سلكتم هذا المسلك ، ولما مننتم على الرسول صلىاللهعليهوسلم بإسلامكم.
قال الإمام ابن كثير ما ملخصه : وقد استفيد من هذه الآية الكريمة : أن الإيمان أخص من
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٧٦.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٧٦.