أى : قل لهم ـ أيها الرسول الكريم ـ ليس الأمر كما زعمتم من أن إسلامكم يعتبر منه عليّ ، بل الحق أن الله ـ تعالى ـ هو الذي يمن عليكم أن أرشدكم إلى الإيمان ، وهداكم إليه ، وبين لكم طريقه ، فادعيتم أنكم آمنتم مع أنكم لم تؤمنوا ولكنكم أسلمتم فقط.
قال صاحب الكشاف : وسياق هذه الآية فيه لطف ورشاقة ، وذلك أن الكائن من الأعاريب قد سماه الله إسلاما ، ونفى أن يكون ـ كما زعموا ـ إيمانا فلما منّوا على الرسول صلىاللهعليهوسلم بما كان منهم ، قال الله ـ تعالى ـ لرسوله : إن هؤلاء يعتدون عليك بما ليس جديرا بالاعتداد به ..
ثم قال : بل الله يعتد عليكم أن أمدكم بتوفيقه ، حيث هداكم للإيمان ـ على ما زعمتم ـ وادعيتم أنكم أرشدتم إليه ، ووفقتم له إن صح زعمكم ، وصدقت دعواكم .. وفي إضافة الإسلام عليهم ، وإيراد الإيمان غير مضاف ، ما لا يخفى على المتأمل ... (١).
وجواب الشرط في قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) محذوف ، يدل عليه ما قبله. أى : إن كنتم صادقين في إيمانكم فاعتقدوا ، أن المنة إنما هي لله ـ تعالى ـ عليكم ، حيث أرشدكم إلى الطريق الموصل إلى الإيمان الحق.
وشبيه في المعنى بهذه الآية قول الرسول صلىاللهعليهوسلم للأنصار في إحدى خطبه : «يا معشر الأنصار ، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟» وكان صلىاللهعليهوسلم كلما قال شيئا ، قالوا : الله ورسوله أمنّ.
والحق أن هداية الله ـ تعالى ـ لعبده إلى الإيمان تعتبر منة منه ـ سبحانه ـ لا تدانيها منة ، ونعمة لا تقاربها نعمة ، وعطاء ساميا جليلا منه ـ تعالى ـ لا يساميه عطاء فله ـ عزوجل ـ الشكر الذي لا تحصيه عبارة على هذه النعمة ، ونسأله ـ تعالى ـ أن يديمها علينا حتى نلقاه.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) أى : إنه ـ تعالى ـ يعلم ما خفى وغاب عن عقول الناس من أحوال السموات والأرض (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ أيها الناس ـ لا يعزب عنه شيء من أقوالكم أو أفعالكم.
وبعد : فهذا تفسير وسيط لسورة «الحجرات» تلك السورة التي رسمت للناس معالم عالم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٧٨.