قال الآلوسى : وتقديم الأموال على الأنفس من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى. ويجوز بأن يقال : قدم الأموال لحرص الكثيرين عليها ، حتى إنهم يهلكون أنفسهم بسببها .. (١) (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) أى : أولئك الذين فعلوا ذلك هم الصادقون في إيمانهم.
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يخبرهم بأن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء من أحوالهم فقال : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ).
وقوله : (أَتُعَلِّمُونَ) من الإعلام بمعنى الإخبار ، فلذا تعدى بالتضعيف لواحد بنفسه ، وإلى الثاني بحرف الجر. أى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الأعراب على سبيل التوبيخ : أتخبرون الله ـ تعالى ـ بما أنتم عليه من دين وتصديق حيث قلتم آمنا ، على سبيل التفاخر والتباهي .. والحال أن الله ـ تعالى ـ (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) دون أن يخفى عليه شيء من أحوال المخلوقات الكائنة فيهما.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) مقرر لما قبله ومؤكد له.
ثم أشار ـ تعالى ـ إلى نوع آخر من جفائهم وقلة إدراكهم فقال : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ...).
والمن : تعداد النعم على الغير ، وهو مذموم من الخلق ، محمود من الله ـ تعالى ـ أى : هؤلاء الأعراب يعدون إيمانهم بك منة عليك ، ونعمة أسدوها إليك حيث قالوا لك : جئناك بالأموال والعيال. وقاتلك الناس ولم نقاتلك ..
وقوله : (أَنْ أَسْلَمُوا) في موضع المفعول لقوله : (يَمُنُّونَ) لتضمينه معنى الاعتداد ، أو هو بتقدير حرف الجر فيكون المصدر منصوبا بنزع الخافض أو مجرورا بالحرف المقدر. أى : يمنون عليك بإسلامهم ..
ثم أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يرد عليهم بما يدل على غفلتهم فقال : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ...).
أى : قل لهم لا تتفاخروا عليّ بسبب إسلامكم ، لأن ثمرة هذا الإسلام يعود نفعها عليكم لا عليّ.
ثم بيّن ـ سبحانه ـ أن المنة له وحده فقال : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ ...).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٦ ص ١٦٩.