من جنس الحروف الهجائية التي تنظمون منها حروفكم.
فإن كنتم في شك في كونه منزلا من عند الله ـ تعالى ـ فهاتوا مثله ، أو عشر سور من مثله ، أو سورة واحدة من مثله.
فعجزوا وانقلبوا خاسرين ، وثبت أن هذا القرآن من عند الله ـ سبحانه ـ.
وهذا الرأى وهو كون «ق» من الحروف الهجائية ، هو الذي نطمئن إليه ، وهناك أقوال أخرى في معنى هذا الحرف ، تركناها لضعفها كقول بعضهم إن «ق» اسم جبل محيط بجميع الأرض .. وهي أقوال لم يقم دليل نقلي أو عقلي على صحتها.
قال ابن كثير : وقد روى عن بعض السلف ، أنهم قالوا «ق» جبل محيط بالأرض ، يقال له جبل «ق» وكأن هذا ـ والله أعلم ـ من خرافات بنى إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس .. (١).
والواو في قوله ـ تعالى ـ : (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) للقسم ، والمقسم به القرآن الكريم ، وجواب القسم محذوف لدلالة ما بعده عليه ، وهو استبعادهم لبعثة الرسول صلىاللهعليهوسلم وتكذيبهم للبعث والحساب ..
وقوله : (الْمَجِيدِ) صفة للقرآن. أى : ذي المجد والشرف وكثرة الخير.
ولفظ المجيد مأخوذ من المجد ، بمعنى السعة والكرم ، وأصله من مجدت الإبل وأمجدت ، إذا وقعت في مرعى مخصب ، واسع ، الجنبات ، كثير الأعشاب.
والمعنى : أقسم بالقرآن ذي المجد والشرف ، وذي الخير الوفير الذي يجد فيه كل طالب مقصوده ، إنك ـ أيها الرسول الكريم ـ لصادق فيما تبلغه عن ربك من أن البعث حق والحساب حق ، والجزاء حق ... ولكن الجاحدين لم يؤمنوا بذلك.
(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) وهو أنت يا محمد ، فلم يؤمنوا بك ، بل قابلوا دعوتك بالإنكار والتعجب.
(فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) أى : هذا البعث الذي تخبرنا عنه يا محمد شيء يتعجب منه ، وتقف دونه أفهامنا حائرة.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ...) بل للإضراب عما ينبئ عنه جواب القسم المحذوف ، فكأنه قيل إنا أنزلنا هذا القرآن لتنذر به
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٢.