قالوا : وامتدادها واتساعها لا ينافي كرويتها ، لأن عظم سطحها يجعل الناظر إليها يراها كأنها مسطحة ممدودة.
(وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) أى : وألقينا فيه جبالا ثوابت تمنعها من الاضطراب ..
فقوله (رَواسِيَ) جمع راسية بمعنى ثابتة وهو صفة لموصوف محذوف.
(وَأَنْبَتْنا فِيها) أى : في الأرض (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أى : وأنبتنا فيها من كل صنف حسن يبهج ويسر الناظرين إليه ، مأخوذ من البهجة بمعنى الحسن يقال : بهج الشيء ـ كظرف ـ فهو بهيج أى : حسن جميل.
وقوله : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى ..) علتان لما تقدم من الكلام ، وهما منصوبتان بفعل مقدر.
أى : فعلنا ما فعلنا من مد الأرض ، ومن تثبيتها بالجبال ، ومن إنبات كل صنف حسن من النبات فيها ، لأجل أن نبصر عبادنا بدلائل وحدانيتنا وقدرتنا ، ونذكرهم بما يجب عليهم نحو خالقهم من شكر وطاعة.
وقوله : (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) متعلق بكل من المصدرين السابقين وهما : التبصرة والذكرى. أى : هذه التبصرة والذكرى كائنة لكل عبد منيب ، أى : كثير الرجوع إلى ربه بالتدبر في بدائع صنعته ، ودلائل قدرته.
ثم انتقلت الآيات إلى بيان مظاهر قدرته في إنزال المطر ، بعد بيان مظاهر قدرته في خلق السموات والأرض وما اشتملتا عليه من كائنات ، فقال ـ تعالى ـ : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) أى : ماء كثير المنافع والخيرات للناس والدواب والزروع.
(فَأَنْبَتْنا بِهِ) أى : بذلك الماء (جَنَّاتٍ) أى : بساتين كثيرة زاخرة بالثمار ..
(وَحَبَّ الْحَصِيدِ) أى : وحب النبات الذي من شأنه أن يحصد عند استوائه كالقمح والشعير وما يشبههما من الزروع.
فالحصيد بمعنى المحصود ، وهو صفة لموصوف محذوف أى : وحب الزرع الحصيد. فهذا التركيب من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه للعلم به.
وخص الحب بالذكر ، لاحتياج الناس إليه أكثر من غيره ، فصار كأنه المقصود بالبيان.
وقوله : (وَالنَّخْلَ ...) معطوف على (جَنَّاتٍ) ، و (باسِقاتٍ) حال من النخل. ومعنى «باسقات» مرتفعات ، من البسوق بمعنى الارتفاع والعلو. يقال : بسق فلان على أصحابه ـ من باب دخل ـ إذا فاقهم وزاد عليهم في الفضل.