ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ). أى : وجاءت لكل إنسان سكرة الموت وشدته وغمرته وكربته ، ملتبسة بالحق الذي لا شك فيه ولا باطل معه (ذلِكَ) أى : الموت الذي هو نهاية كل حي (ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أى : تميل وتهرب وتفر منه في حياتك. يقال : حاد فلان عن الشيء يحيد حيدة .. إذا تنحى عنه وابتعد.
أخرج الإمام أحمد وابن جرير عن عبد الله مولى الزبير بن العوام قال : لما حضر أبو بكر الموت ، بكت ابنته عائشة ، وتمثلت بقول الشاعر :
لعمرك ما يغنى الحذار عن الفتى |
|
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر |
فقال لها أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ : لا تقولي ذلك يا بنتي ، ولكن قولي : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ، ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ).
ثم بين ـ سبحانه ـ نهاية هذه الدنيا فقال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أى : النفخة الأخيرة .. (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) أى : ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ الأخير في الصور ، هو الوقت الذي توعد الله ـ تعالى ـ فيه كل كافر بسوء المصير ، كما وعد كل مؤمن بحسن الجزاء.
وخص الوعيد بالذكر ، لتهويل هذا اليوم ، وتحذير العصاة مما سيكون فيه.
(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) من النفوس المؤمنة والكافرة والمطيعة والعاصية (مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) أى : معها ملك يسوقها إلى المحشر ، ومعها ملك آخر يشهد عليها .. ثم يقال للكافر في هذا اليوم العصيب : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ) تامة (مِنْ هذا) الذي تعانيه اليوم وتشاهده (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) أى : فأنزلنا عنك في هذا اليوم تلك الغفلة التي كانت تحجبك عن الاستعداد لهذا اليوم بالإيمان والعمل الصالح.
(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أى : فبصرك ونظرك في هذا اليوم نافذ قوى ، تستطيع أن تبصر به ما كنت تنكره في الدنيا ، من البعث والحساب والثواب والعقاب.
يقال : فلان حديد البصر ، إذا كان شديد الإبصار بحيث يرى أكثر مما يراه غيره.
وهكذا نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد بينت بأسلوب بليغ مؤثر ، شمول علم الله ـ تعالى ـ لكل شيء ، كما بينت حالة الإنسان يوم القيامة ، يوم تأتى كل نفس ومعها سائق وشهيد ..
ثم يحكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يقوله قرين الإنسان يوم القيامة فيقول :