وقوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) بيان ليقظة الملكين وحرصهما على تسجيل كل ما يصدر عن الإنسان.
و (قَعِيدٌ) بمعنى المقاعد ، أى الملازم للإنسان ، كالجليس بمعنى المجالس.
والمعنى : عن يمين الإنسان ملك ملازم له لكتابة الحسنات ، وعن الشمال كذلك ملك آخر ملازم له لكتابة السيئات وحذف لفظ قعيد من الأول لدلالة الثاني عليه ، كما في قول الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأى مختلف |
أى : نحن راضون بما عندنا وأنت راض بما عندك ..
ثم أكد ـ سبحانه ـ كل هذه المعاني بقوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أى : ما يتكلم هذا الإنسان من كلام ، وما يفعل من فعل ، إلا ولديه ملك «رقيب» أى : حفيظ يكتب أقواله «عتيد» أى : مهيأ لذلك ، حاضر عنده لا يفارقه.
يقال : عتد الشيء ـ ككرم ـ عتادة وعتادا ، أى : حضر ، فهو عتد وعتيد ، ويتعدى بالهمزة وبالتضعيف ، فيقال : أعتده صاحبه وعتّده ، إذا هيأه وأعده.
والمراد أن الملكين اللذين أحدهما عن يمينه والثاني عن شماله ، كلاهما مراقب لأعمال الإنسان ، حاضر لكتابتها.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) وقوله ـ سبحانه ـ : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) وقوله ـ عزوجل ـ : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ، إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
قال بعض العلماء ما ملخصه : وبعض العلماء يرى أن الملكين يكتبان كل شيء حتى الأنين في المرض .. لأن قوله ـ تعالى ـ (مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي فتعم كل قول ..
وبعضهم يرى أن الملكين لا يكتبان من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب ، وقالوا : إن في الآية نعتا محذوفا ، سوغ حذفه العلم به ، لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب ، وتقدير النعت المحذوف : ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء إلا ولديه رقيب عتيد .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ حالة الإنسان عند الاحتضار فقال : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ
__________________
(١) راجع أضواء البيان للشيخ الشنقيطى ج ٧ ص ٦٥١.