وقال القشيري : في هذه الآية هيبة وفزع وخوف لقوم ، وروح وأنس وسكون قلب لقوم (١).
وعلى هذا التفسير الذي سرنا عليه. وسار عليه من قبلنا جمهور المفسرين يكون الضمير (نَحْنُ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ ، وجيء بهذا الضمير بلفظ (نَحْنُ) على سبيل التعظيم.
ويرى الإمام ابن كثير أن الضمير هنا يعود إلى الملائكة ، فقد قال ـ رحمهالله ـ وقوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) يعنى ملائكته ـ تعالى ـ أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه. ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد ، وهما منفيان بالإجماع ـ تعالى الله وتقدس ـ ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل : وأنا أقرب إليه من حبل الوريد وإنما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) كما قال في المحتضر (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) يعنى ملائكته.
وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه ، بإقدار الله لهم على ذلك (٢).
وهذا الذي ذهب إليه ابن كثير وإن كان مقبولا ـ لأن قرب الملائكة من العبد بإقدار الله لهم على ذلك ـ إلا أن ما ذهب إليه الجمهور من أن الضمير (نَحْنُ) لله ـ تعالى ـ أدل على قرب الله ـ سبحانه ـ لأحوال عباده ، وأظهر في معنى الآية ، وأزجر للإنسان عن ارتكاب المعاصي.
و (إِذْ) في قوله ـ تعالى ـ : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ ...) ظرف منصوب بقوله (أَقْرَبُ). أى : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ، في الوقت الذي يتلقى فيه (الْمُتَلَقِّيانِ) وهما الملكان جميع ما يصدر عن هذا الإنسان.
وهو ـ سبحانه ـ وإن كان في غير حاجة إلى كتابة هذين الملكين لما يصدر عن الإنسان ، إلا أنه ـ تعالى ـ قضى بذلك لحكم متعددة ، منها إقامة الحجة على العبد يوم القيامة ، كما أشار ـ سبحانه ـ إلى ذلك في قوله : (... وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً. اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٣).
ومفعول التلقي في الفعل الذي هو يتلقى ، وفي الوصف الذي هو المتلقيان ، محذوف ، والتقدير إذ يتلقى المتلقيان جميع ما يصدر عن الإنسان فيكتبانه عليه.
__________________
(١) حاشية الجمل ج ٤ ص ١٩٢.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٧٦.
(٣) سورة الإسراء الآيتان ١٣ ، ١٤.