(وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) أى : والحال أنى قد حذرتكم على ألسنة رسلي من سوء عاقبة الكفر ، والآن لا مجال لهذا الاعتذار أو التخاصم.
(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أى : لا خلف لوعدى ، ولا معقب لحكمي ، بل هو كائن لا محالة ، وهو أنى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).
(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أى : وما أنا من شأنى أن أعذب أحدا بدون ذنب جناه. وإنما أنا من شأنى أن أجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، وأجازى الذين أحسنوا بالحسنى ، وأعفو عن كثير من ذنوب عبادي سوى الشرك بي.
(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أى : اذكر ـ أيها العاقل ـ لتتعظ وتعتبر ـ يوم نقول لجهنم هل امتلأت من كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب ، واكتفيت من كل من جعل معى إلها آخر ..؟
فترد جهنم وتقول : يا إلهى (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أى : يا إلهى هل بقي شيء منى لم يمتلئ من هؤلاء الكافرين؟ أنت تعلم يا خالقي أنى قد امتلأت ، ولم يبق منى موضع لقدم.
قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : يخبر الله ـ تعالى ـ أنه يقول لجهنم يوم القيامة : هل امتلأت؟ وذلك أنه وعدها أنه سيملؤها من الجنّة والناس أجمعين ، فهو ـ سبحانه ـ يأمر بمن يأمر به إليها ، ويلقى فيها وهي تقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أى : هل بقي شيء تزيدونى؟ ..
هذا هو الظاهر من سياق الآية ، وعليه تدل الأحاديث ، فقد أخرج البخاري عن أنس بن مالك. عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يلقى في النار ـ الكفرة ـ وتقول : هل من مزيد ، حتى يضع ـ سبحانه ـ فيها قدمه فتقول : قط قط ـ أى : حسبي حسبي ـ ..» وعن ابن عباس قوله : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أى : وهل فيّ من مكان يزاد فيّ.
وعن عكرمة قوله : وتقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وهل فيّ مدخل واحد؟ قد امتلأت (١).
وقال الشوكانى : وهذا الكلام على طريقة التخييل والتمثيل ولا سؤال ولا جواب. كذا قيل. والأولى أنه على طريقة التحقيق ، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع.
قال الواحدي : أراها الله تصديق قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، فلما امتلأت قال لها : (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أى : قد امتلأت ولم يبق في موضع
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٨١.