لم يمتلئ. وقيل : إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة. أى : إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها .. والمزيد : إما مصدر كالمحيد. أو اسم مفعول كالمنيع ، فالأول بمعنى : هل من زيادة. والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه .. (١).
وكعادة القرآن في المقارنة بين عاقبة الأشرار والأخيار ، جاء بعد ذلك الحديث عن المتقين وحسن عاقبتهم فقال ـ تعالى ـ : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ).
وقوله : (وَأُزْلِفَتِ) من الإزلاف بمعنى القرب ، يقال : أزلفه إذا قربه ، ومنه الزلفة والزلفى بمعنى القربة والمنزلة .. وهو معطوف على قوله ـ سبحانه ـ (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ).
وقوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) صفة لموصوف مذكر محذوف ، ولذا قال غير بعيد ولم يقل غير بعيدة. أى : وأدنيت وقربت الجنة للمتقين في مكان غير بعيد منهم ، فصاروا يرونها ويشاهدون ما فيها من خيرات لا يحيط بها الوصف.
وفائدة قوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) بعد قوله (وَأُزْلِفَتِ) للتأكيد والتقرير ، كقولك : فلان قريب غير بعيد ، وعزيز غير ذليل ..
قال الجمل ما ملخصه : فإن قيل : ما وجه التقريب مع أن الجنة مكان ، والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب؟.
فالجواب : أن الجنة لا تنقل .. لكن الله ـ تعالى ـ يطوى المسافة التي بين المؤمن والجنة ـ حتى لكأنها حاضرة أمامه ـ وذلك من باب التكريم والتشريف للمؤمن (٢).
واسم الإشارة في قوله : (هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) يعود إلى الجنة التي قربت لهم .. والجملة على تقدير القول ، أى : قربت الجنة ممن هم أهلها ، ويقال لهم عند دخولها : هذا الذي ترونه من نعيم ، هو ما سبق أن وعد الله ـ تعالى ـ به كل (أَوَّابٍ) أى رجاع إليه بالتوبة (حَفِيظٍ) أى : حافظ لحدوده وأوامره ونواهيه بحيث لا يتجاوزها ، وإنما ينفذها ، ويقف عندها.
(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ ..) أى : من خاف مقام ربه دون أن يراه أو يطلع عليه ، والجملة بدل أو عطف بيان من قوله : (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) وقوله : (بِالْغَيْبِ) متعلق بمحذوف حال من الرحمن ، أى : خشيه وهو غائب عنه لا يراه ولا يشاهده.
__________________
(١) تفسير فتح القدير ج ٥ ص ٧٧ للشوكانى.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ١٩٧.